جامعاتنا الأردنية بين الظل والضجيج
جمال القيسي
24-09-2025 11:53 AM
من المفترض أن جامعاتنا الأردنية هي منارات العلم ومختبرات الأفكار، غير أن الواقع ليس كذلك، ولأسباب كثيرة. في مقدمتها، آلية تعيين رئيس الجامعة التي لا تخضع لمعايير الشفافية أو الكفاءة القابلة للقياس، وغالبا ما تهيمن عليها الاعتبارات الشخصية والمحسوبية. ومع غياب المساءلة، يتحول الموقع إلى منصب إداري تسلطي يكرّس البيروقراطية أكثر مما يخدم العلم ويحفز الإبداع.
ولا يقف الخلل عند رؤساء الجامعات وحسب؛ بل يمتد إلى تعيينات أعضاء هيئة التدريس، من العميد وحتى رئيس القسم، وهي تعيينات كثيرا ما تتجاوز الكفاءة العلمية والخبرة التدريسية والإنتاج البحثي، ما ينعكس مباشرة على جودة التعليم ومستوى البحث العلمي، حيث يُقصى الباحثون المتميزون الذين يمكنهم النهوض بالجامعة وتعزيز تنافسيتها.
اليوم، باتت جامعاتنا تُعرف بضجيج احتفالاتها أكثر من أبحاثها؛ لأن ميزانيات البحث العلمي متواضعة جدًا ولا تتجاوز 0.3% إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، رغم أن الاستثمار في البحث العلمي يرتبط بشكل مباشر بالنمو الاقتصادي وتقدم الشعوب، ويحدد قدرة الدولة على المنافسة والابتكار.
الجامعة الأردنية حققت تقدمًا نسبيًا بوصولها إلى المرتبة 368 عالميًا وفق QS 2025، لكنها ما تزال تواجه فجوة كبيرة مقارنة بجامعات عربية أخرى، بما في ذلك جامعات خليجية حديثة النشأة مثل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة قطر، أما جامعة الملك سعود فقد استطاعت أن تتفوق إقليميًا وتحقق قفزات نوعية في البحث العلمي والابتكار، حتى أن جامعة الملك فهد دخلت قائمة أفضل 100 جامعة عالميًا.
ما تزال جامعاتنا تثقلها البيروقراطية المقيدة، ويعيق حركتها الهيكل الإداري المتضخم الذي يقتل روح المبادرة، حتى أن الطلبة والأساتذة يفقدون الثقة ويبحثون عن بيئات أكثر احترامًا لتفوقهم وكفاءاتهم، في حين تتراجع سمعة الجامعات الأردنية عالميًا. الإصلاح لا يبدأ من الهامش، بل من الرأس؛ معايير واضحة للتعيين، مجالس مستقلة، تقييم دوري للرؤساء بمشاركة الأساتذة والطلبة، وتعزيز الحوكمة والشفافية في كل مفاصل العمل الجامعي، كلها خطوات أساسية.
إذا اختارت الدولة النزاهة والشفافية، يمكن للجامعات الأردنية أن تستعيد دورها كمنارات للعلم وبيوت خبرة، وتضع الأردن في موقعه الطبيعي: بلدًا يصدّر العقول لا يهجرها، ويقود التنمية بالمعرفة لا بالشعارات، ويحوّل البحث العلمي إلى قوة حقيقية للنمو والابتكار.
ومن الضروري أن تتعامل الجامعات مع أساتذتها بالاحترام الواجب، باعتبارهم علماء لا موظفين، من خلال رواتب مناسبة، ومكاتب وأجهزة عمل ملائمة، وحوافز تقديرية، لتكون البيئة الجامعية محفزة للإبداع والعطاء.