من الاعتراف الدولي إلى تجديد النخب: فلسطين وخيار المستقبل
م. وائل سامي السماعين
26-09-2025 01:43 AM
يُعد الاعتراف بفلسطين كدولة من أكثر الملفات حساسية في العلاقات الدولية المعاصرة. فبينما تواصل إسرائيل رفض هذا الاعتراف وتصر على ربطه بالمفاوضات المباشرة، تشهد الساحة الدولية موجة متزايدة من الاعترافات، كان آخرها من عدة دول أوروبية، ما أعاد الزخم إلى النقاش القانوني والسياسي حول حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
الاعتراف بالدول يُعتبر من ركائز النظام الدولي، إذ يمنح الكيان المعترف به القدرة على إبرام المعاهدات، إقامة العلاقات الدبلوماسية، والانضمام إلى المنظمات الدولية. ووفقًا لمعايير اتفاقية مونتيفيديو لعام 1933، فإن قيام الدولة يتطلب شعبًا دائمًا، إقليمًا محددًا، حكومة تمارس سلطتها، وقدرة على الدخول في علاقات دولية.
الفلسطينيون يستوفون هذه الشروط بدرجات متفاوتة، لكن الاحتلال الإسرائيلي يجعل ممارسة السيادة ناقصة، وهنا يبرز الاعتراف الدولي كأداة لتعويض هذا النقص.
البعد الدولي
• الأمم المتحدة: فلسطين حصلت منذ 2012 على صفة دولة مراقب غير عضو، وهو اعتراف جزئي يعزز مكانتها، فيما تفتح الاعترافات الأوروبية الباب أمام طلب العضوية الكاملة.
• المحكمة الجنائية الدولية: الاعتراف يمنح الفلسطينيين موقفًا أقوى لملاحقة الانتهاكات الإسرائيلية.
• المنظمات الدولية: الاعتراف يسهل انضمام فلسطين إلى منظمات متخصصة، ويوسع نطاق صلاحياتها الدولية.
التحديات والقيود
رغم الزخم، يبقى الاعتراف ناقصًا ما دامت الولايات المتحدة ترفض الاعتراف الكامل، في ظل استمرار سيطرة إسرائيل على الأرض بدعم أمريكي. هذا الواقع يجعل الدولة الفلسطينية أقرب إلى مفهوم "السيادة المقيدة".
إن الاعتراف بفلسطين ليس مجرد خطوة رمزية، بل ورقة سياسية وقانونية مهمة يجب استثمارها بتحويل المكتسبات إلى واقع ملموس. وهنا تبرز الحاجة إلى استراتيجية فلسطينية متكاملة تشمل:
1. الانخراط في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، باعتبار أن أي كيان فلسطيني لا يمكن أن يتشكل دون تسوية سياسية.
2. تجديد النخب الفلسطينية عبر الاستعانة بالكفاءات والخبرات الشابة والمثقفين الفلسطينيين في الداخل والمهجر، بدلًا من الاكتفاء بالخطاب الثوري التقليدي.
3. إعادة صياغة الهوية السياسية عبر تقديم نموذج دولة فلسطينية منفتحة، ربما علمانية، تُفند الرواية الإسرائيلية التي تدعي أن الدولة الفلسطينية تشكل خطرًا "عرقيًا" على اليهود.
4. إصلاح الإعلام الفلسطيني وإصدار قوانين تجرّم خطاب الكراهية أو معاداة الأديان ومعاداة السامية ، لتعزيز صورة فلسطين كدولة حديثة منفتحة على العالم.
5. تعزيز الانفتاح على الولايات المتحدة عبر مقاربات أكثر واقعية للسياسة الأمريكية.
6. وضع خطة استراتيجية واضحة للمرحلة المقبلة، تقوم على التوازن بين الكفاح السياسي والدبلوماسي، وتحويل الاعترافات المتراكمة إلى مكاسب عملية.
إن الاعتراف بفلسطين كدولة يرسخ شرعية الحق الفلسطيني ويمثل خطوة متقدمة نحو تجسيد حلم الدولة. غير أن نجاح هذا المشروع يبقى رهنًا بقدرة الفلسطينيين على صياغة رؤية استراتيجية حديثة تضعهم في قلب المعادلة الدولية كطرف فاعل لا مجرد متلقٍ للقرارات. كما أن إدراك صعوبة المرحلة المقبلة، في ظل وجود حكومات إسرائيلية يمينية متطرفة، يفرض على الفلسطينيين العمل على بناء جسور ثقة مع قوى السلام داخل إسرائيل، بما يتيح تشكيل ائتلاف حقيقي يجمع محبي السلام من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وأخيرًا، يتعين على الفلسطينيين أن يُقدّروا الدور المحوري والجهود الدبلوماسية الحثيثة التي بذلتها الدول العربية، وعلى رأسها الأردن والسعودية ومصر وقطر، في دعم القضية الفلسطينية ومساندة حقوق الشعب الفلسطيني في مواجهة الصراع العربي الإسرائيلي.
waelsamain@gmail.com