توم باراك .. جهل صارخ بتاريخ الشرق الاوسط
عبدالله فارس العلاونة
27-09-2025 08:49 AM
لقد أثار تصريح المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، السيد توم باراك، الذي زعم أن “لا وجود لشيء اسمه الشرق الأوسط، وأنه مجرد قبائل وقرى”، استهجانًا واسعًا، لما فيه من جهل صارخ بتاريخ هذه المنطقة العريقة. هذا القول يتجاهل الحقائق التاريخية والحضارية التي تشهد بأن الشرق الأوسط هو مهد الإنسانية وأصل الحضارات.
فمن أرض العراق بممالكها القديمة: سومر وبابل وآشور، حيث وُلدت أولى الكتابات والقوانين والمدن المنظمة، إلى مصر الفرعونية على ضفاف النيل، مرورًا بـ فينيقيا والشام وسوريا التاريخية وفلسطين، حيث ازدهرت المدن والثقافات والتجارة، وصولًا إلى اليمن بممالكها القديمة مثل سبأ وحضرموت، وشبه الجزيرة العربية التي احتضنت أوائل المجتمعات المنظمة والإسلام الذي غيّر مجرى التاريخ، وصولًا إلى الأردن التي كانت ملتقى الحضارات، من عمّان ومادبا وجرش وبترا، والتي لعبت دورًا محوريًا في تاريخ المنطقة، فقد عرف الأردن منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد المستوطنات والمدن المنظمة، وكان جزءًا من الإمبراطوريات الكبرى.
أما ادعاء أن القوميات في منطقتنا من صناعة اتفاقية سايكس–بيكو، فهو تبسيط مخل وتجاهل للتاريخ العميق. الاتفاقية كانت مشروعًا استعماريًا لتقسيم النفوذ، لكنها لم تخلق هويةً أو قوميةً؛ فشعوبنا قاومت الاستعمار بوعي ديني وقومي متجذر، واستقلت بدماء أبنائها، لا بقرارات استعمارية.
منذ آلاف السنين عرف الشرق الأوسط الدولة والسلطة والقانون، من الإمبراطوريات القديمة إلى الخلافة الإسلامية وصولًا إلى الدولة العثمانية، وكان مركزًا للحكم والإدارة قبل أن تعرف أوروبا الحديثة ذلك. بالمقابل، الولايات المتحدة الأمريكية، كدولة حديثة النشأة، لا تمتلك تاريخًا حقيقيًا يتجاوز قرونًا قليلة، فهي عبارة عن “لمم وحرارة طفولية” جديدة، بلا جذور حضارية عميقة، ولا إرث حضاري يمكن مقارنته بتاريخ الشرق الأوسط الممتد آلاف السنين.
الخلاصة: الشرق الأوسط ليس اختراعًا استعماريًا، بل هو صانع التاريخ الإنساني منذ فجر البشرية، ومهد الحضارات والعلوم والأديان. ومن يختزل هذه الحقيقة في “قبائل وقرى”، إنما يُظهر جهلًا فاضحًا لا يغتفر بتاريخ عميق وشعوبٍ عريقة. إذا كان هذا هو موقف المبعوث الأمريكي، فكيف نتوقع منه انصافًا أو تفهمًا لقضايانا العادلة.