سقوط حزب .. الحلقة 4 والاخيرة
م. عامر البشير
27-09-2025 12:10 PM
* الاستقالات … صفعة لا انسحاب
الاستقالات لم تكن هروبًا من الميدان، بل صفعة على وجه الزيف، وإعلان بأنّ الضمير الحيّ لا يُباع ولا يُشترى، وفعل مقاومة اخلاقي يكشف زيف الشرعية الشكلية، إنّها لحظة أشرف من كل الكراسي، وأصدق من كل المسمّيات، لحظة يعلو فيها صوت الضمير على ضجيج المصالح، وتتكلّم العدالة باسمها الأصيل، لا باسم أوراقٍ ممهورة سلفًا.
لم يكن ما جرى مجرّد خلاف داخلي، بل انكشاف مدوٍّ هزّ الجدران وأسقط الأقنعة، كاشفًا الفارق بين من يملك حياةً نابضة بالوجدان، وما هو قشرة خاوية بلا معنى.
مرآة الحقيقة
لقد طُلِي الجسد الميت بمساحيق السياسة، وأُوهم البعض أنّ الزينة قادرة على أن تعيد إليه الحياة، لكنّ الوجه العليل فضح عجز هذه المساحيق، والملامح الشاحبة كشفت قبح ما حاولت الزينة إخفاءه، مرآة الحقيقة لا تخون ولا تعرف المهادنة، إنّها تعكس الواقع كما هو، جسد بلا روح، وهيكل بلا معنى.
ومع ذلك، تبقى الفكرة الأصيلة جمرًا يختبئ تحت الرماد، لا تطفئه ريح الخيانة ولا يطمره ركام الحيلة؛ إنّها قادرة أن تنبعث من قلب الخراب لتشعل فجرًا جديدًا للمعنى.
صرخة بلا ضجيج
لم تكن الاستقالات أوراقًا تُرمى، بل زلزالًا سياسيًا يهزّ وهم الشرعية الشكلية، كانت كسيفٍ يُشهر في صمت، يصيب التضليل في الصميم، قالت بلسان الضمير، الكرامة لا تُباع، والكراسي لا تعوّض صدق الفكرة، كانت دمعة من نار في عين الأمة؛ دمعة تحرق الزيف، وتزرع جذور الحقّ.
امتحان الأخلاق
وحين ضاقت جدران الحزب عن استيعاب الحقيقة، خرج الحقّ يبحث عن منبره في رحاب الأخلاق، هناك يقف الضمير، لا كخصمٍ ولا كحكمٍ فحسب، بل ككفّة توازن بين الماضي والمستقبل، إنّه يطرح السؤال، بأي شرعية تُصنع التعديلات؟ وبأي حقٍ تتحوّل المكاتب إلى مسرح للشكليات؟
إنّها ليست معركة أشخاص، بل امتحان وجود، صراع بين الضمير والمطامع، بين حقٍ يسطع وباطلٍ يخدع.
سقوط الأقنعة
هكذا تتساقط الأقنعة واحدًا تلو الآخر، كما تتهاوى أوراق الخريف أمام رياح الحقيقة، ويذكّرنا التاريخ أنّ من خان ضميره خسر الناس قبل أن يخسر الكرسي، وأنّ الانتصار الزائف لا يلبث أن ينقلب وبالًا على صاحبه، يطارده كوصمة أمام مرآة الزمن.
الشرعية التي لا تموت
الشرعية الحقيقية لا تولد من ختمٍ ولا من أغلبية عددية، بل من صدق الفكرة والتصاقها بجراح الناس وأحلامهم، إنّها شرعية الروح لا الورق؛ شرعية الضمير لا التصريحات الجامدة.
لحظة الفصل
لقد كانت الاستقالات زلزالًا يهدم وهم الشرعية الشكلية، وصفعة على وجه التضليل، ورسالة لا تُمحى في ضمير الأمة، فكل سلطة بلا مصداقية ليست سوى قصرٍ من رمل، ينهار عند أول موجة وعي من الناس.
القادة لا يشكون … فلسفة القيادة
القائد الحقيقي لا يشكو، لأنّ الشكوى خيانة لليقين، ولا يتذمّر، لأنّ التذمّر انكسار أمام العجز، ولا يبكي، لأنّ الدموع لا تغيّر قدرًا ولا تصنع قرارًا، القيادة فعل نحتٍ في صخر الوجود؛ كل ضربة إزميل تكشف المستخبّي.
أيها الرفاق، ما سقط ليس الفكرة، بل من خانها، وما انطفأ ليس القنديل، بل اليد التي تركته للريح، أمّا النور فسيعود، لأن الشعوب لا تعيش بالزيف طويلًا، ولأن الضمير ـ مهما طال صمته ـ لا بد أن ينطق في النهاية، في ملامح جديدة، وكل جهدٍ صادق يقرب الصورة من اكتمالها، السياسة ليست موائد للمجاملة، بل امتحان للصراحة؛ ليست عبارات منمّقة، بل مواجهة صادقة مع النفس قبل أن تكون مع الناس.
بيان إلى الرأي العام
القيادة ليست ضعفًا يستجدي عطفًا، ولا حيلةً تختبئ خلف دموع أو ذرائع واهية، بل صلابة تُبنى كما يُبنى الصرح، وإرادة تُنحت كما يُنحت الحجر، وصوت يصدح بالحقيقة ولو في وجه العاصفة.، لقد أثبتت التجارب أنّ من يعتمد على جهد الآخرين دون أن يقدّم من ذاته يظلّ أسير الوهم، ومن يركب الأمواج لن يعرف الطمأنينة، لأنّ خوف السقوط سيطارده حيثما ارتفع.
الرسالة الأخيرة إلى الرفاق
أيها الرفاق، إن تضاعفت أرقام الاستقالات التي ستصل المئات، فذلك ليس لضعف الفكرة، بل لعجز البنية القيادية عن ترجمتها، لقد تآكلت الهياكل التي كانت يومًا عنوانًا للشرعية، حتى لم يبقَ منها إلا صدى الأسماء، وباتت المؤسسات التنظيمية بلا قوام، ترفع شعارات بلا مضمون.
فالحزب، وقد فقد أسباب الاستمرار والوجود، لم يعد يُقاس بعدد الأعضاء ولا بانتشار الفروع، بل بانطفاء الروح التي كانت يومًا تشعل قناديله.
الشرعية ليست ورقًا في السجلات ولا مجالس شكلية تُعقد في قاعات باردة، بل هي نبض الناس، وتدفّق الفكرة، وحرارة الإيمان المشترك، فإذا غاب هذا كلّه، فما معنى أن يبقى الكرسي قائمًا فوق خواء؟
الدرس الأخير
أيها الرفاق، لا تحزنوا؛ فالذي يسقط عند أول امتحان لم يكن يومًا قائمًا بالمعنى، ما تبقّى ليس حزبًا، بل ظلّ منه، ولحظة تأمل في معنى الفقدان، لقد سقط حين استُبدل المبدأ بالموقع، والجوهر بالشكل، والشرعية الحقيقية بالشرعية الصورية، ومع ذلك، يبقى الدرس عميقًا، الكرسي مهما بدا ثابتًا لا يمنح شرعية من فراغ، بل الشرعية تأتي من القلوب.
أفق المستقبل
ومهما طال الليل، فإنّ التاريخ لا يحفظ أسماء الذين تشبثوا بالكراسي، بل يخلّد من حرسوا الفكرة حتى آخر لحظة، حتى لو غادروا طوعًا, وهنا يكمن الأمل, أنّ الفكرة الصادقة لا تموت، وأن كل سقوط يمكن أن يكون بداية جديدة، وفرصة لاستعادة المعنى وبناء مشروع يليق بتضحيات المخلصين وأحلامهم، وإنّ ما سقط ليس الفكرة، بل من خانها، وما انطفأ ليس القنديل، بل اليد التي تركته للريح، أمّا النور فسيعود، لأن الشعوب لا تعيش بالزيف طويلًا، ولأن الضمير ـ مهما طال صمته ـ لا بد أن ينطق في النهاية.