المتتبع لوقائع كلمة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الأخيرة على المنصة الأممية واجواءها يدرك تماماً الفشل الذريع الذي وصلت اليه السردية الإسرائيلية التي طالماً تباهى قادة الأحتلال بقوة تأثيرها على الراي العام الغربي بفضل امتلاكهم لزمام منصات الأعلام لديه ، فخلو القاعة من وفود دول العالم المشتركة باستثناء وفود الدول الغربية الداعمة التقليدية لها مع بعض الدول المجهرية في منطقتي الكاريبي والمحيط الهادي وصفته القناة 12 الإسرائيلية بأنه يجسد نظرة العالم لإسرائيل وهو بمثابة "البصقة" ليس في وجه حكومة نتنياهو بل في وجه اسرائيل نفسها ، مشيرة الى انه الخطاب الأسوأ له منذ عامين بسبب تلعثمه حيث لم يستطع التصفيق "الساذج" للوفد الإسرائيلي تدارك الموقف .

نتنياهو الذي ارتكز في كلمته على السردية الاسرائيلية فيما جرى في السابع في اكتوبر والذي ثبت زيفها وايضاً ما اسماه نجاحات ضد ايران وحزب الله واليمن ولم ينسى ايضاً الحديث عن اعتداءات جيشه في سورية ومحاولة فرض وقائع جديدة متذرعاً بحماية الاقليات فضلاً عن استمرار التهديد ضد العراق ولبنان ، وهو في ذلك كله يدرك نتنياهو بتلبكه الواضح ما يحمله العالم من صور مباشرة ما زالت في طور التحديث عن جرائم هذا الجيش ضد مدنيي غزة ، حيث لم يفده هنا استجرار اسطوانة معاداة السامية التي كانت بمثابة الكرباج الذي تشهره الدعاية الاسرائيلية في وجه أي رأي لا يتبنى هذه السردية حتى لو بالحياد الإيجابي ، حيث كان لافتاً وصفه لكل الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية انها معادية "للشعب اليهودي" ومن ضمنها بالطبع بريطانيا وفرنسا .

الى عهد قريب كنت الاعتقاد ان نظرية المؤامرة هي نهج شرقي للتهرب من اي تقصير او فساد في الحياة العامة والخاصة ، ولكن في ظل الظروف الاقليمية والدولية الحالية ثبت ان نظرية المؤامرة هو نهج اسرائيلي بامتياز في التعامل مع خصوم الداخل والخارج ، وليس بعيد عن ذلك ايضاً النهج الإمريكي التقليدي الداعم لجرائم تل ابيب فحديث الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن بعد هجمات 11 ايلول 2001 بان من لا يقف معه فهو ضده تجسيداً لهذا النهج ، ويقاربه مهاجمة الرئيس ترامب للأمم المتحدة بسبب تعطل المصعد الكهربائي الذي يستقله وجهاز البيانات الخاص به خلال الجلسة المشتركة الأخيرة ، الاعتقاد الان ان نظرية المؤامرة التي هي نهج ثابت للسردية الإسرائيلية وداعميها أصبحت الآن ليست فقط مدعاة لإعادة النظر بل تدعو للسخرية والتجاهل في ظل ما يجري في غزة .

السقوط المدوي للسردية الإسرائيلية في تبنيها لنظرية المؤامرة يعود للجرائم المروعة ضد مدنيي غزة التي لم تستطع هذه السردية تبريرها وتلطيفها ، ويعود ايضاً للجهود الدبلوماسية الاردنية التي ما فتأت منذ بداية العدوان الحالي على فضح نوايا التطرف الإسرائيلي وجرائمه وإثرها على السلام الإقليمي والدولي ، حيث تمخضت هذه الجهود عن اعتراف كثير من الدول الاوروبية بالدولة الفلسطينية والتي كانت بمثابة "الصفعة" على أزلام التطرف الإسرائيلي واحلامهم التوراتية ، وما وصف رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد ان ما تعرض له نتنياهو في الأمم المتحدة بإن العالم شهد "اليوم رئيس وزراء إسرائيليا منهكا ومتذمرا في خطاب مثقل بالخدع المستخدمة" الا تأكيداً لورطة سردية اسرائيل ومتطرفيها الحالية ، وهو الأمر الذي عبرت عنه بوضوح مقولة رئيس الحكومة البريطانية ابان الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل بأن بإمكانك خداع مجموعة من الناس فترة طويلة ولكن محال ان تخدع انساناً واحداً طوال الوقت الا اذا رضي لنفسه الخداع .