الأردن الجديد .. البُعد الاقتصادي من منظور حزب المحافظين
د. بركات النمر العبادي
29-09-2025 11:42 AM
إذا كان مشروع الأردن الجديد يمثل الرؤية الوطنية الأشمل للتحديث ، فإن حزب المحافظين يسعى لإعادة قراءته من زاوية تحفظ التوازن بين الهوية الوطنية و التجديد الاقتصادي ، فالاقتصاد في فلسفة الحزب ليس مجرد أداة للنمو ، بل هو جوهر السيادة الوطنية ، ومصدر لكرامة المواطن.
التشريعات كإطار للعدالة الاقتصادية
ينطلق الحزب من قناعة أن تحديث الاقتصاد يبدأ من تحديث التشريعات ، فالقوانين الضريبية يجب أن تكون عادلة ، تسهّل نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة ، وتُشجع الاستثمار المحلي والأجنبي دون أن تتحول إلى أداة للتمييز أو الاحتكار ، فالتشريع هنا ليس مجرد نصوص قانونية ، بل عقد اجتماعي جديد يُعيد التوازن بين الدولة والمجتمع ، لطاقة والاستقلالية الاقتصادية
يرى الحزب أن الاستثمار في الطاقة المتجددة (الشمس والرياح) واستغلال الصخر الزيتي والخامات الطبيعية هو حجر الأساس لبناء اقتصاد مستقل. فلسفيًا ، يربط المحافظون بين الطاقة والهوية الوطنية : فالدولة التي تُنتج طاقتها بكرامة ، تُنتج معها استقلال قرارها السياسي.
المشاريع الصغيرة وريادة الشباب
المحافظون يعتبرون أن الشباب والمرأة ليسوا فقط مكونات اجتماعية ، بل هم رأس المال الحقيقي للأردن الجديد ، ومن هنا يركز الحزب على دعم المشاريع الصغيرة والابتكار، وإقامة حاضنات أعمال ، وربط الجامعات بالقطاع الإنتاجي ، بهذا ، يتحول المواطن من مستهلك يعتمد على الدولة إلى فاعل اقتصادي يصنع قيمته بيديه.
التوازن التنموي بين المحافظات
يدرك الحزب أن العدالة لا تتحقق فقط عبر توزيع الفرص داخل العاصمة ، بل عبر شمول الأطراف والريف والبادية ، لذلك ، يقترح إنشاء مراكز اقتصادية في المحافظات ، وتقديم حوافز للمستثمرين كي يتوجهوا إلى المناطق الأقل نموًا ، وهكذا تُترجم الهوية الوطنية إلى انتماء متساوٍ في كل الجغرافيا ، لا يُقصي أحدًا ولا يُهمّش منطقة.
الأمن الغذائي كركيزة للكرامة
الغذاء في فكر المحافظين ليس مجرد سلعة اقتصادية ، بل رمز للسيادة فالأردن الجديد لا يمكن أن يكون مستقلا سياسيًا إذا كان تابعًا غذائيًا. لذلك ، يركز الحزب على دعم الزراعة الذكية ، حماية المنتج المحلي ، وبناء صناعات غذائية متكاملة ، إن تأمين الخبز والماء هو تأمين للهوية الوطنية ذاتها.
الشفافية ومكافحة الفساد
وأخيرًا ، يدرك الحزب أن أي تحديث اقتصادي سيتلاشى إذا لم يكن مؤطرًا بالشفافية والنزاهة ، ذلك ، يشدد على نشر العقود والمناقصات ، وتفعيل الرقابة ، وتجريم الفساد بأعلى درجات الحزم ، فالاقتصاد بلا شفافية يُصبح وسيلة لاحتكار القلة ، أما مع الشفافية فيتحول إلى فضاء عادل يشارك فيه الجميع.
وفي الختام إن مشروع الأردن الجديد كما يراه حزب المحافظين ليس مجرد تحديث اقتصادي أو معالجة لأزمات راهنة ، بل هو محاولة لصياغة فلسفة جديدة للوجود الوطني. فالاقتصاد هنا يُفهم على أنه البنية التحتية للسيادة و المعبر نحو هوية وطنية محصنة ؛ إذ لا يمكن لمجتمع أن يُعرّف ذاته ككيان مستقل إذا كان معتمدًا على الخارج في قوته وموارده.
وبهذا المعنى ، يصبح الاستقلال الطاقي و الاكتفاء الغذائي و الإنتاجية الوطنية ليست مجرد سياسات قطاعية ، بل شروطًا أنطولوجية لوجود الدولة الحديثة في الأردن ، فالمواطن الذي يُشارك في إنتاج طاقته وغذائه وفرص عمله ، إنما يُشارك في صياغة معنى الوطن ذاته.
إن حزب المحافظين يطرح معادلة فكرية – عملية قوامها:
• أن المواطنة الحقيقية لا تتحقق إلا حين يقف الفرد شريكًا في بناء الاقتصاد لا عالة عليه.
• وأن العدالة الاقتصادية بين الأقاليم ليست إجراءً تنمويًا، بل تأسيسًا لوحدة وطنية راسخة.
• وأن الشفافية والنزاهة ليست فقط أدوات إدارية ، بل هي الشرط الأخلاقي لشرعية الدولة واستمرارها.
هكذا يُعاد تعريف الأردن الجديد لا كأرض أو حدود أو جهاز إداري ، بل كـ فضاء مشترك للقيمة والمعنى ، حيث تتكامل الهوية الوطنية مع الاقتصاد المنتج ، والسيادة مع التنمية ، والتاريخ مع المستقبل ، إن هذا التصور المحافظ يجعل من الاقتصاد ليس هدفًا نهائيًا ، بل وسيلة لإعادة صياغة العقد الاجتماعي الذي يحفظ للأردن مكانته بين الأمم ، وللمواطن كرامته في الزمان والمكان.
حمى الله الاردن وسددعلى طريق الخير خطى قيادته وشعبه
* ( الانطلوحيا تعبير فلسفي : يبحث في طبيعة الأشياء، الكائنات، وما الذي يجعل شيئًا ما موجودًا أصلًا او غير ذلك ).