facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




غزة .. تنزف حجارة وتنتظر أن تبنى من جديد


د. ماجد عسيلة
30-09-2025 09:01 AM

في غزة لا ينام الرماد، ولا تهدأ رائحة الغبار.. عامان من الحرب كانت كفيلة بتحويل المدينة التي كانت تضج بالحياة إلى لوحة رمادية يختلط فيها الركام بالذكريات.

القصف الإسرائيلي المتواصل منذ أكتوبر 2023 لم يترك زاوية إلا أصابها، ولم يفرق بين بيت وكنيسة أو مدرسة ومستشفى.. إنه دمار شامل فاق حدود الحرب التقليدية، مس الإنسان قبل الحجر، وأحال قطاعا بأكمله إلى أطلال تنتظر أن تعود للحياة.

تقديرات الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي في تقريرهم المشترك الصادر مطلع هذا العام قدرت كلفة الدمار في غزة وحدها بنحو 53.2 مليار دولار، رقم لا يصف فقط حجم الخراب المادي، بل يرسم مأساة بشرية يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني، نزح معظمهم أو فقدوا بيوتهم ومصادر رزقهم، أو ينتظرون المأوى في مدارس تحولت إلى مخيمات مؤقتة.

نحو 62% من وحدات السكن في غزة تضررت، وأكثر من 290 ألف منزل باتت بين مهدم أو متصدع، خسائر تجاوزت 13 مليار دولار، لتصبح رمزا لأكبر عملية تدمير عمراني في القرن الحادي والعشرين.

المدارس والجامعات لم تكن خارج دائرة النار حيث تضررت 97% من مدارس القطاع، وأكثر من 500 مدرسة دمرت بالكامل أو جزئيا، بينما تحولت الجامعات إلى خرائب بعد أن كانت منارات للعلم، جيل كامل من الأطفال انقطع عن التعليم، في مشهد يعكس جرحا إنسانيا أعمق من أي رقم أو تقرير.

أما البنية التحتية فقد تلقت ضربة قاتلة، فشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي التي كانت بالكاد تعمل انهارت تحت القصف، وبلغت أضرارها نحو 18.5 مليار دولار؛ فالكهرباء مقطوعة معظم الوقت والمياه ملوثة أو شحيحة، والصرف الصحي يفيض على شوارع فقدت شكلها، وحتى المستشفيات التي كانت تلملم الجراح أصبحت بحاجة إلى من يرممها.

لم تسلم المساجد ولا الكنائس ولا المباني الحكومية ولا مقار المنظمات الدولية من الدمار، وصور الأقمار الصناعية التي نشرتها الأمم المتحدة أظهرت مشهدا يختصر الكارثة.. عشرات الآلاف من المنشآت سويت بالأرض، في ما وصفته المنظمة بأنه الدمار الأوسع منذ الحرب العالمية الثانية.

ورغم كل هذا الخراب فإن غزة لم تمت.. فالمدينة التي تحترق كل يوم لا تزال تتنفس الأمل، يد تبني بين الركام، وطفل يكتب على حجر ما تبقى من حلمه، وأم تنتظر بيتا يعود، ورجل يزرع شجرة بجانب جدار مهدم، كأنها رسالة إلى العالم بأن الحياة لا تقصف.

تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن إعادة إعمار القطاع ستستغرق عشر سنوات الى خمسة عشر عاما على الأقل إن بدأت غدا، وإن فتحت المعابر ودخلت مواد البناء وبدأ التمويل الدولي بالتدفق، لكن السؤال الأعمق يبقى: "من سيعيد إعمار قلوب الناس قبل بيوتهم؟"، و"من سيعالج ذاكرة جيل كامل كبر على صوت الطائرات بدلا من أجراس المدارس؟".

غزة اليوم ليست مجرد جغرافيا منكوبة، بل اختبار لإنسانية العالم، حيث هناك أكثر من مليوني إنسان يرفعون الركام بأيديهم وينتظرون أن تصل إليهم يد تحمل حجر بناء بدلا من قذيفة، إنهم لا يطلبون المستحيل، فقط أن يترك لهم حق الحياة، وأن تعود مدينتهم إلى ما كانت عليه، أو إلى ما يشبهها على الأقل.

ورغم كل هذا الألم تبقى غزة كما كانت، مدينة تقصف فتنهض، تحاصر فتبتكر الحياة، تهدم فتعيد بناء نفسها من الرماد.. إنها المدينة التي تثبت في كل مرة أن القوة لا تقاس بالدبابات بل بالإصرار على البقاء.

غزة اليوم ليست نداء للعطف، بل صرخة للضمير الإنساني في وجه صمت طال أكثر مما يجب، وما تهدم في غزة لا يقاس بالإسمنت بل بالأحلام التي سقطت تحت الركام، وبالأمل الذي ما زال حيا في عيون أطفالها، إن إعمار غزة ليس مشروعا هندسيا بل امتحانا أخلاقيا للعالم بأسره: "فإما أن يعيد بناءها أو يتركها شاهدا على خذلان الإنسانية".





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :