facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العشيرة بين الإرث والحداثة


د. بركات النمر العبادي
30-09-2025 10:55 AM

* نحو إعادة تعريف البنية التكوينية للمستشارية العشائرية في إطار / قيمي / اجتماعي /وقانوني

يمرّ الأردن بلحظة تاريخية فارقة ، مع انطلاق مشروع التحديث الشامل الذي يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني ، وفي قلب هذا التحوّل ، تتضح الحاجة إلى إعادة النظر في وظائف مؤسسات الدولة وأدواتها ، بما يتجاوز الشكل إلى الجوهر، وبما يجعلها أكثر التصاقًا بمسار المستقبل ، ومن بين هذه المؤسسات ، تتبدّى البنية العشائرية – بما تحمله من إرث عريق وتجربة متجذّرة – في مفترق طرق يستوجب إعادة صياغة دورها ، لا باعتبارها جهازًا بروتوكوليًا ، بل كرافعة استراتيجية للتنمية والاستقرار، منسجمة مع الرؤية الملكية للتحديث والإصلاح.

من الإرث الاجتماعي إلى الأفق الوطني

لقد ارتبطت ادارة البنية التكوينية العشائرية (المستشارية العشائرية) تاريخيًا بالديوان الملكي الهاشمي ، فكانت جسرًا للتواصل بين الدولة والمجتمع ، وأداة فاعلة في فض النزاعات وصون الاستقرار وحماية النسيج الوطني ، ولم تكن العشيرة مجرد رابطة نسبية ، بل حاملة لقيم التكافل والمسؤولية والانتماء، وأداة للضبط الاجتماعي أسهمت في حماية الأمن المجتمعي وترسيخ الانتماء الوطني .
غير أن الزمن لم يتوقف ، والتحديات الراهنة – بما تحمله من تحولات اجتماعية وتعقيدات سياسية ومظاهر سلبية – تفرض تجاوز الدور التقليدي ، وإعادة تعريف الوظيفة الحقيقية للعشيرة بحيث تصبح عنصرًا فاعلًا في منظومة الدولة الحديثة ، يوازي بين الشرعية التاريخية والفاعلية المؤسسية.

ان إعادة تعريف دور البنية التكوينية العشائرية يتطلب رؤية فلسفية–قانونية ، تضع العشيرة في موقعها الطبيعي كقوة مجتمعية أخلاقية تسهم في مشروع الدولة ، وذلك عبر:

1. إعداد خطة استراتيجية وطنية

• صياغة رؤية وأهداف واضحة للبنية العشائرية (المستشارية).
• وضع مؤشرات أداء قابلة للقياس.
• التكامل مع سياسات الدولة ومؤسساتها.

2. ترسيخ القيادة القيمية

• استعادة مفهوم الزعامة الأصيلة القائمة على الحكمة والرصيد الأخلاقي.
• التصدي لظاهرة تغليب البعد المادي على القيمي في منح المكانة والوجاهة.
• تعزيز البعد الأخلاقي والاجتماعي في اختيار ممثلي العشائر.

3. مواجهة الظواهر السلبية عبر القوة المجتمعية

• الحد من انتشار المخدرات ، جرائم السلاح والعنف المجتمعي.
• ترسيخ سيادة القانون عبر التأثير الاجتماعي الإيجابي.
• حماية السلم الأهلي من التهديدات المجتمعية.

4. إطلاق مبادرات قيمية–اجتماعية

• مبادرة "عشيرة بلا مخدرات".
• مجالس قيمية دورية لمعالجة قضايا العنف الأسري.
• مبادرات شبابية للتعليم والبيئة ومقاومة الامية خاصة بين الاناث والعمل التطوعي.
• مبادرة "نحو مساعدة الشباب على الزواج" عبر صناديق دعم مجتمعية وتشجيع ثقافة التيسير.

5. تحديث أدوات التواصل والانفتاح على المجتمع المدني

• تفعيل منصات إلكترونية عصرية للتفاعل المجتمعي.
• تشكيل فرق ميدانية للتواصل المباشر.
• شراكات مع الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني.
• برامج إعلامية تُبرز الدور الوطني للعشيرة.

وختاما ليست العشيرة مجرد بُنية اجتماعية تقليدية ، بل هي امتداد لوعي جمعي متجذر في تاريخ المكان والإنسان ، فهي تمثل الذاكرة الحيّة للانتماء ، ومرآة للقيم التي حفظت المجتمع في لحظات ضعفه ، وحمت الدولة في مراحل تشكّلها الأولى.

غير أن القيمة الحقيقية للعشيرة لا تُختزل في تكرار الماضي ، بل في قدرتها على إعادة إنتاج ذاتها في ضوء تحولات الحاضر، لتصبح رافعة نحو المستقبل ، فالعشيرة التي كانت يومًا أداة حماية وبقاء ، يمكن أن تتحول اليوم إلى أداة بناء وتنمية ، حين تتحرر من ثقل الشكل وتستعيد جوهرها القيمي.

إن إعادة تعريف الدور التكويني للعشائر هو في جوهره فعل فلسفي–اجتماعي ، يسعى إلى المزاوجة بين الإرث والحداثة ، بين الانتماء والحرية ، بين القانون والوعي الأخلاقي ، فحين تلتقي هذه الثنائيات في فضاء الدولة الحديثة ، يتحقق التوازن المطلوب : دولة قوية وعشيرة حاضنة ، مواطنة راسخة وهوية متجددة.

وبهذا المعنى ، فإن مشروع تفعيل العشيرة ليس مجرد إصلاح إداري ، بل هو استدعاء لإرادة وجودية : أن نُعيد ترتيب علاقتنا بذواتنا ، وأن نرتقي بالانتماء من دائرة العصبية الضيقة إلى أفق المشاركة الواعية في بناء وطن يتسع للجميع ، و يعظم من شأن الهوية الوطنية وينخرط في تحصينها ويجعل الولاءات الفرعية بلون الهوية الوطنية وتسهم في تحصينها ولا تتوازى معها .

حمى الله الوطن وسدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :