مع إعلان "حماس" دراسة خطة ترامب لإعادة تنظيم غزة ونزع سلاح الحركة، يقف الفلسطينيون أمام اليوم التالي؛ مرحلة ما بعد الحرب، وما ستخلفه من تحولات سياسية وعسكرية وإنسانية. هذا اليوم لا يعني نهاية غزة أو القضية الفلسطينية، لكنه يضع الحركة أمام خيارات حاسمة ستشكل مستقبل القطاع، ومسار القضية على المدى الطويل، بين الصمود في مواجهة حرب الإبادة أو قبول الوصاية الدولية مقابل وقف إطلاق النار وعودة الحياة وتحرير الأسرى وإعادة الإعمار.
إعلان حماس أنها ستدرس خطة ترامب خطوة لتفادي صورة الرافض المطلق. جوهر الخطة يقوم على نزع سلاحها وتفكيك بنيتها العسكرية، مقابل صفقة كبيرة لتحرير أسرى وإعادة إعمار شامل وتدفق المساعدات. لكن المعضلة ليست في تفاصيلها بقدر ما هي في السياق؛ فترامب صرح بدعم معلن ومطلق لإسرائيل إن رفضت الحركة، فيما انضمت دول عربية وإسلامية إلى دائرة التأييد، ما يجعل حماس عرضة لعزلة إقليمية خانقة، في حال رفض الخطة، نظرا للأهمية الاستراتيجية لعلاقاتها التقليدية بهذه الدول.
المعادلة وجودية؛ موافقتها تعني تسليم مفاتيح المدينة لمحتل جديد، بمسمى مجلس سلام، ورفضها يفتح بابا على موت أكثر قسوة عبر إبادة أشد وطأة وعزلة متزايدة. وهنا تحضر المقارنات التاريخية مثل تجربة "الجيش الجمهوري الإيرلندي" الذي قبل في نهاية التسعينيات بنزع سلاحه مقابل اتفاق سياسي منح الكاثوليك مشاركة متكافئة في الحكم وضمانات أوروبية، بينما تجربة "نمور التاميل" في سريلانكا أظهرت أن رفض أي تسوية قد يؤدي إلى سحق عسكري وانحسار القضية إلى الهوامش. غير أن الحالة الفلسطينية تختلف جذريا؛ فالمطروح ليس مجرد تسوية داخلية، بل وصاية دولية برئاسة ترامب. على غرار تعيين بريمر حاكما في العراق بعد الاحتلال، أو الانتدابات البريطانية والفرنسية بعد الحرب العالمية الأولى، أو الحملة الفرنسية على مصر، حيث أُديرت الدول والمناطق تحت إشراف مباشر لقوة خارجية مع واجهة محلية محدودة الصلاحيات، ما يوضح حجم فقدان السيطرة الذي قد تواجهه أي حركة مقاومة أمام إدارة دولية.
لم تعلن الحركة رفض الخطة، ولا يبدو أنها تفاجأت بتفاصيلها، ولم يصدر عنها أي استنكار لها بعد، ومع ذلك، ومهما يكن من موقف لها تجاهها، يبقى رصيد حماس كبيرا في الوجدان الشعبي العربي والإسلامي والعالمي؛ فقد أعادت القضية الفلسطينية إلى الذاكرة الدولية ووجهت أنظار شعوب العالم إلى جرائم الاحتلال، وصمدت صمودا أسطوريا في وجه حرب إبادة. هذا وحده يجعلها فكرة مقاومة أكثر من تنظيم عسكري؛ فهي فكرة متجذرة حرة ترفض الاحتلال، تمتد جذورها إلى الثقافة والذاكرة الجمعية، ويصعب استئصالها أو إخراجها من المشهد الفلسطيني والعربي.
اليوم، تقف الحركة كالمجبر على تجرع مرارة السم الزعاف، بين خيار القبول بوقف حرب الإبادة والتمسك بوجودها العسكري، في اختبار تاريخي سيرسم مسار غزة والقضية الفلسطينية لمدى طويل!