خطة ترامب لوقف الحرب في غزة: صفقة مشروطة أم هندسة جديدة للصراع؟
صالح الشرّاب العبادي
30-09-2025 07:09 PM
منذ بداية الحرب على غزة، امتلأت شاشات الأخبار بالتصريحات والوعود والتهديدات، لكن قلة من الخطط خرجت بصياغة مكتوبة تُطرح على الطاولة أمام العالم ، الرئيس الأميركي دونالد ترامب قدّم أخيراً ما سماه “خطة لوقف الحرب في غزة”، في عشرين بنداً متشابكاً، يراها البعض خطوة نحو السلام، بينما أراها محاولة لإعادة هندسة المشهد الفلسطيني على مقاس المصالح الأميركية والإسرائيلية، مع تحميل الدول العربية جزءاً من العبء السياسي والمالي.
أولاً: مضمون الخطة بإيجاز
الخطة تنص على وقف فوري للأعمال القتالية إذا وافقت إسرائيل وحماس، مع تبادل للأسرى والرهائن خلال 72 ساعة. لكنها تشترط نزع سلاح حماس بالكامل، وتمنعها من أي دور سياسي مستقبلي. بالمقابل، يُعرض على مقاتلي الحركة “عفو أو خروج آمن” لمن يترك السلاح.
أما من الناحية الميدانية، فتقترح الخطة انسحاباً إسرائيلياً مرحلياً، تحت إشراف دولي، مع تشكيل هيئة انتقالية لإدارة غزة برئاسة ترامب لتضم شخصيات دولية مثل توني بلير، وبمشاركة محدودة من أطراف عربية. ولإغراء الشارع الفلسطيني، تُلوّح الخطة بمشروعات إعادة إعمار ضخمة تحت عنوان “نيو غزة”، تموَّل من مانحين دوليين وإقليميين.
ثانياً: قراءة ما وراء الخطة
هنا تكمن الأبعاد الحقيقية التي لا يراها المواطن العادي في صخب الأخبار اليومية:
1.ترامب وصورة “صانع السلام”: في الداخل الأميركي، يسعى ترامب لتسويق نفسه باعتباره الرجل الذي يوقف الحروب ويدير الصفقات ، هو يريد أن يحوّل الحرب في غزة إلى منصة انتخابية.
2.المكسب الإسرائيلي: الخطة تضمن لإسرائيل هدفها الأول: إضعاف حماس وتجريدها من السلاح، مع انسحاب محسوب يخفف عنها كلفة الاحتلال المباشر. أي أن إسرائيل تربح “أمناً بلا مسؤولية”، وتبقى غزة محاصَرة من دون قوة مسلحة.
3.تقاسم الأعباء مع العرب: إعادة الإعمار ليست مجرّد “كرم دولي”، بل أداة لإشراك العواصم العربية في مشروع يُراد له أن يصبح واقعاً. بكلمات أخرى: دفع المال العربي لتغطية انسحاب إسرائيلي مشروط، ومنح شرعية سياسية لخطة أميركية إسرائيلية.
4.الإشراف الدولي كبديل للسيادة الفلسطينية: حين تُدار غزة من مجلس دولي، وتُراقَب أنفاقها وموانئها ومطاراتها من لجان أجنبية، فهذا يعني عملياً تكريس وضع “الوصاية”، لا بناء دولة فلسطينية حقيقية.
ثالثاً: مقارنة مع مواقف ترامب السابقة
في مواقفه العلنية خلال التصريحات السابقة ، لم يخفِ ترامب انحيازه لإسرائيل، بل تبنّى خطاب القوة المطلقة ضد حماس. الجديد اليوم أنه يقدّم “صفقة مشروطة”: ليس سحق حماس عسكرياً فقط، بل إغراؤها أو دفعها للخروج مقابل إعمار غزة ووقف النار. بعبارة أخرى، ترامب انتقل من خطاب “القوة المجردة” إلى خطاب “الجزرة والعصا”. لكنه لم يغيّر جوهر موقفه: لا دولة فلسطينية مستقلة، ولا سيادة على الأرض، بل وقف حرب مؤقت مقابل نزع السلاح.
رابعاً: موقف القادة العرب
الدول العربية الرئيسية سارعت إلى الترحيب – بحذر – بالخطة، إدراكاً منها أن استمرار الحرب كارثة إنسانية وسياسية. لكن الترحيب لا يعني القبول الكامل. فالمأزق واضح: هل تقبل العواصم العربية أن تكون شريكاً في خطة تُقصي حركة فلسطينية، وتحوّل غزة إلى كيان منزوع السلاح تحت رقابة دولية؟ أم تصرّ على أن يكون وقف النار بداية لمسار سياسي حقيقي يفضي إلى دولة فلسطينية كاملة السيادة؟
إن القادة العرب أمام اختبار تاريخي: إما أن يشاركوا في “تسكين” الأزمة وفق الشروط الأميركية، أو أن يصوغوا مساراً بديلاً يفرض على واشنطن وتل أبيب التعامل مع الحقوق الفلسطينية كملف لا يمكن تجاوزه.
خامساً: التوقعات من حماس
الاستجابة من حماس تبدو معقدة. فمن جهة، الحركة محاصَرة عسكرياً وتحت ضغط هائل من المدنيين كحالة إنسانية يصعب وصفها في غزة. ومن جهة أخرى، نزع السلاح يعني فقدان هويتها وشرعيتها كحركة مقاومة. لهذا يمكن توقع اربعة سيناريوهات:
1.الرفض القاطع: وهو ما يعيد إسرائيل إلى ذريعة استمرار الحرب.
2.القبول المشروط: بمعنى الدخول في مفاوضات طويلة حول الأسرى والإعمار، من دون التخلي عن السلاح فوراً.
3.الانقسام الداخلي: جناح سياسي قد يرحّب مؤقتاً، بينما يرفض الجناح العسكري، ما يفتح الباب لصراع داخلي داخل الحركة.
4 .القبول .
سادساً: أين الشعوب من كل ذلك؟
في خضم هذه الصفقات، تُغيَّب الشعوب عن الوعي. الإعلام الرسمي يُصدّر الخطة كـ”فرصة سلام”، بينما الواقع أن ما يُطرح هو مشروع هندسة جديدة للصراع: غزة بلا سلاح، بلا سيادة، بلا مشروع وطني مستقل.
الشعوب العربية يجب أن تفهم أن وقف الحرب ليس بالضرورة انتصاراً للسلام، بل قد يكون انتقالاً إلى مرحلة أكثر خطورة: تثبيت واقع الاحتلال بوسائل جديدة. هنا يكمن دور الرأي العام: الضغط على القادة العرب لعدم الانخراط في خطط تُفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها.
الحروب لا تنتهي بالخطط الورقية ما لم تُعالج جذور الصراع ، وخطة ترامب، رغم ما تحمله من إغراءات، ليست سوى “صفقة أمنية واقتصادية” تعيد إنتاج الأزمة وتؤجل الانفجار القادم.
على الشعوب العربية أن تدرك أن الوعي هو خط الدفاع الأول ، فالمعارك لا تُحسم فقط في الميدان، بل في العقول أيضاً ، وما يُراد اليوم هو إخراج المقاومة من المعادلة، وتطويع العرب للمشاركة في مشروع لا يحقق العدالة ولا يحفظ السيادة الفلسطينية.
إنها ليست خطة سلام، بل مشروع هندسة للصراع… والسلام الحقيقي لن يولد إلا حين تُمنح فلسطين حقها الكامل في الحرية والسيادة .
اخيراً ما من تصريح يذكر او بيان يقال او قرار دولي يتخذ او خطة او صفقة او هدنة إلا والأسرى الاسرائيلين يذكروا بالبند العريض ( الإفراج عن الرهائن الاسرى والرفاة لدى المقاومة ) ناسين متناسين اكثر من اثنين مليون محاصر واسير ومجوع وآلاف الشهداء والمصابين يذكرون على الهامش وفي ثنايا القرارات ..