أين «مجدي يعقوب» الأردني؟
م. وائل سامي السماعين
04-10-2025 08:57 PM
حين يُذكر اسم السير مجدي يعقوب، لا يخطر في البال طبيب قلب فحسب، بل رجل تجاوز مهنته ليغدو ضميرًا إنسانيًا نابضًا. لم يكن جراحًا يلاحق المجد الشخصي، بل إنسانًا آمن بأن العلم إذا لم يُترجم إلى رحمة فهو مجرد صنعةٍ باردة. أمضى حياته في بريطانيا، وكان من أوائل من أجروا عمليات زراعة القلب، لكنه عاد إلى وطنه الأم ليؤسس مركز مجدي يعقوب للقلب في أسوان، أمام الأهرامات، كأنه أراد أن يقول: إن العظمة ليست في التاريخ فقط، بل في من يصنع الأمل في الحاضر.
هذا النموذج الاستثنائي يفرض سؤالًا مؤلمًا:
لماذا لا يوجد “مجدي يعقوب” أردني؟
الأردن بلد ولّاد للعقول اللامعة. خرّج أطباءً مبدعين، وعلماءً لامعين، ومهندسين حققوا إنجازات باهرة في العالم. لكن حين ننظر إلى الداخل، لا نجد مشروعًا إنسانيًا وطنيًا جامعًا، يعكس روح رد الجميل للوطن الذي احتضنهم، ولا مركزًا طبيًا أو بحثيًا كبيرًا يحمل اسم أردنيٍ واحد ترك بصمة دائمة في خدمة الإنسان.
لسنا نعاني من قلة المال، بل من ندرة الإرادة والرؤية.
رجل الأعمال الأردني يفاخر ببرجٍ في دبي أو شراكةٍ في لندن، لكن قلّما نجد من يفاخر بمستشفى مجاني في الكرك، أو مركزٍ لعلاج القلب في معان، أو منحة بحثية لأطباءٍ شبابٍ في الجامعة الأردنية.
البنوك والشركات الكبرى في الأردن تجني أرباحًا هائلة كل عام، لكنها غالبًا ما تحصر “المسؤولية الاجتماعية” في تبرعٍ موسميٍ أو حملةٍ دعائيةٍ تنتهي بانتهاء رمضان. بينما العطاء الحقيقي هو الذي يتحول إلى مؤسسةٍ راسخة، تُدار بمعايير علمية وإنسانية، وتصبح جزءًا من بنية الوطن لا من واجهته الإعلامية.
الطبيب مجدي يعقوب لم ينتظر دعم الحكومة، ولا لجنة وطنية، ولا تمويلًا مشروطًا. بدأ بفكرة، وتحول إلى قدوة. عرف أن العمل الإنساني لا يحتاج إلى إذن، بل إلى إيمانٍ بالمبدأ. ومن هنا يبدأ الفارق بين من يخدم وطنه ومن يخدم ذاته.
ربما مشكلتنا في الأردن أننا تعلمنا العطاء كفعل فردي لا كمؤسسة. ننتظر “المبادرة الحكومية” بدل أن نؤمن أن المبادرة المجتمعية قادرة على أن تصنع فارقًا أعظم.
الأردن لم يبخل على أبنائه يومًا. علّمهم، احتضنهم، وفتح لهم الطريق نحو العالم. لكنه اليوم يطلب منهم أن يردّوا الجميل، لا بالكلام، بل بالفعل. فالوطن لا يطلب صدقةً، بل مشروعًا. لا يريد تصفيقًا، بل أثرًا.
نحن بحاجة إلى ثورةٍ هادئة في مفهوم العطاء. إلى ثقافةٍ جديدة تؤمن أن النجاح لا يُقاس بعدد العقارات ولا بحجم الرصيد، بل بما نتركه من بصمةٍ في حياة الناس. إلى من يؤمن أن خدمة الإنسان هي أسمى أشكال الوطنية.
فهل نرى قريبًا “مجدي يعقوب أردنيًّا” يزرع الأمل في قلب وطنه؟
هل نرى مركزًا للقلوب يحمل اسمًا أردنيًا خالصًا، يعالج أبناء هذا البلد كما يستحقون؟
الجواب ليس في الحكومة، بل فينا نحن.
في الطبيب الذي يملك الخبرة، وفي رجل الأعمال الذي يملك المال، وفي الشركة التي تملك القدرة.
كلٌّ يستطيع أن يكون جزءًا من هذا الحلم.
ولعلّ أعظم تكريمٍ للأردن أن يرى أبناءه وقد ردّوا له الجميل بالعطاء الصادق، لا بالكلمات.
فالأوطان لا تُبنى بالمشاعر، بل بالأفعال…
ولا تُخلَّد الأسماء إلا حين تُنقذ حياة إنسان.