facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأردن في مواجهة العنف الرمزي


د. بركات النمر العبادي
06-10-2025 10:48 AM

معركة الوعي الوطني قبل معركة الوعي الجغرافي ، ففي عالم تتسارع فيه التحوّلات وتتعاظم فيه التحديات ، لم تعد الحروب تُخاض بالسلاح فقط ، بل باتت أدواتها الجديدة أكثر خفاءً وتخفيا ، وأكثر فتكًا و ايلاما ، ومن بين هذه الأدوات ، يبرز العنف الرمزي بوصفه سلاحًا ناعمًا يتسلل بلا ضجيج ، ويتغلغل في الوعي الجمعي دونما ضوضاء ، حاملاً في طياته سرديات مشككة ، وهجمات مموّهة ، وأقنعة مزيفة تُظهر النقد وتُخفي النَيل ، تُبدي الحرص وتُضمر الهدم.

الأردن ، هذا الوطن الذي لطالما واجه التحديات بتماسكه المجتمعي ورشاقة قراره ، لم يكن بمنأى عن هذا النوع من العنف ، فكلما أبدى استقلالًا في قراراته ، أو تماسُكًا في مواقفه ، انطلقت حملات مشبوهة في فضاءات الإعلام ومنصات التواصل ، لا لتنتقد ، بل لتُقوّض ، لا لتسائل ، بل لتُضعف الثقة وتشوّه الرموز ، تُهاجم تحت لافتة الحرية ، وتُمعن في السخرية باسم الشفافية ، وتزرع الشك باسم التقييم ، وليست المعركة هنا على الأرض ولا في حدود الدولة ، بل في فضاء الوعي ذاته ، هي معركة تهدف إلى سحب الثقة ، وتحطيم المعنويات ، وزرع التردّد بدل الإيمان ، والتشكيك بدل الولاء ، والنتيجة : شعب تائه بين حقيقة مشوّهة وزيف متقن.

مواجهة هذا العنف الرمزي لا تكون بالصمت ولا بالردود الانفعالية ، بل تبدأ بتسميته باسمه ، وبكشف آلياته ، وتفكيك خطابه المضلِّل، على ان تبدأ بإعلام وطني تفسيري ، يُعيد للخبر معناه ، ويكشف المسكوت عنه في خلفياته ، ويأخذ بزمام المبادرة في تشكيل السردية الوطنية لا الاكتفاء باستهلاكها ، كما تتطلب المعركة حضورًا فاعلًا للنخبة الثقافية والفكرية ، التي عليها أن تنزل من برجها العاجي إلى ساحة الوعي العام ، لتساهم في بناء خطاب نقديّ وبديل ، يُحصّن العقول من الاختراق ، ويُعيد الثقة دون تسطيح ، ويؤمن بالحقيقة دون الارتهان للضجيج.

إن أخطر ما في العنف الرمزي أنه لا يُهزم بلغة الشعارات ، بل بتحصين الوعي ذاته ، وببناء عقل جمعيّ يميّز بين النقد والتقويض ، بين التعبير والتشويه ، هي معركة لا تُكسب في ساحات السياسة فقط، بل في عمق الإدراك ، وفي تفاصيل الحياة اليومية ، وفي الطريقة التي نرى بها وطننا ونفهم بها ذاتنا.

الأردن اليوم بحاجة إلى وقفة واعية أمام هذا المدّ الرمزي ، ليس دفاعًا عن دولة فقط ، بل دفاعًا عن معنى الوطن ذاته ، عن صورته في وجدان أهله ، وعن سرديته التي تُكتب كل يوم ، إمّا بأيدينا ، أو بأيدي من يسعون لطمسه . وفي الختامً ، إن الهوية الوطنية الأردنية هي مشروع يمتلك مقومات الحيّاة ، و متجدد ، يتطلب وعياً سياسياً ناضجاً ، وفكراً مؤسسياً متماسكاً ، وإرادة شعبية مخلصة : فلا نهضة بدون هوية ، ولا سيادة بدون انتماء ، ولا بناء لمستقبل آمن دون صيانة الجبهة الداخلية ، وسيبقى الأردن ، كما عهدناه ، وطن العزة والمنعة ، متجذرًا في تاريخه ، متطلعًا لمستقبله ، ثابتًا على قيمه ، وعصيًا على الانكسار، في مواجهة العنف الرمزي ، وغييره من انواع العدوان.

حمى الله الاردن و سدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :