عامان من الألم والتضحية والصمود
د. ماجد عسيلة
07-10-2025 09:04 AM
عامان مرا على غزة، ولم تمر لحظة واحدة دون أن تترك جرحا جديدا في جسدها المحاصر منذ سنوات طويلة.
عامان من النار والدمار والدموع تختصر في تفاصيلها قصة شعب لا يهزم، مهما اشتدت عليه قسوة الأيام وتكالبت عليه الحروب والخذلان.
في غزة لم يعد الألم خبرا في نشرات المساء، بل أصبح رفيقا يوميا لكل بيت وشارع وذاكرة.. هناك تروى الحكايات من بين الركام، وتنبض الأرواح رغم غياب الضوء والماء والدواء.
أم فقدت أبناءها لكنها ما زالت تدعو للصبر، وأب يقف فوق أنقاض بيته يبحث عن صورة طفله، وطفلة صغيرة تحتضن حقيبتها المدرسية الممزقة وكأنها آخر ما تبقى من عالمها الجميل.
عامان من الموت المعلن، لكن الحياة في غزة لم تنطفئ، ما زالت الأسواق تفتح أبوابها رغم الشظايا، وما زالت المساجد ترفع الأذان رغم الدمار، وما زال الأطفال يركضون خلف كرة مهترئة في الأزقة المهدمة كأنهم يعلنون للعالم أن الفرح في غزة لا يقصف.
غزة.. المدينة التي ذاقت كل ألوان القهر، لم ترفع راية الاستسلام يوما، من بين أنقاض المستشفيات والمدارس والمنازل، تولد كل صباح إرادة جديدة للحياة.
الممرض الذي يعمل تحت القصف والصحفي الذي يوثق المأساة بعدسة مرتجفة، والمعلم الذي يشرح دروسه لأطفال في خيمة، هم جميعا رواة الحكاية الأبدية: "أن غزة لا تنكسر".
عامان من الألم والتضحية والصمود، لكنها أيضا عامان من الكرامة والإيمان بعدالة الحق، فكل شهيد يرتقي وكل أم تصبر، وكل طفل يبتسم رغم الجراح، يكتب سطرا جديدا في ملحمة البطولة الفلسطينية.
غزة اليوم ليست فقط رمزا للمأساة، بل درسا للعالم في معنى الصبر والعزة، هناك حيث يختلط صوت الأذان بصوت الانفجار، وحيث تتحول الدموع إلى وقود للأمل، تظل غزة شاهدة على أن الإيمان أقوى من السلاح، وأن من يمتلك الحق لا يعرف الهزيمة.
إنها غزة.. المدينة التي علمت العالم أن الضعف لا يقاس بالسلاح بل بالإرادة، وأن من اختار الصمود لا يمكن أن يهزم مهما طال الألم.
عامان من الألم لكن في كل عام جديد، تولد غزة من جديد.. من رحم الحصار ومن تحت الركام تخرج لتقول للعالم: "ما زلت هنا وما زال في القلب متسع للأمل والحياة".