قطر ومصر .. بين رسوخ الدبلوماسية وأحقية نوبل للسلام
م. بسام ابو النصر
09-10-2025 11:21 AM
مع اقتراب الإعلان عن نتائج جائزة نوبل للسلام خلال الأسابيع القليلة القادمة، يبرز في المشهد الدولي اسمان عربيان باتا في صميم العمل الدبلوماسي الإنساني المعاصر، دولة قطر وجمهورية مصر العربية. فكلا الدولتين لعبتا دورًا محوريًا في احتواء أزمات معقدة، وساهمتا بفعالية في وقف نزيف الدم في عدد من مناطق الصراع، وعلى رأسها قطاع غزة الذي شهد واحدة من أكثر الحروب مأساوية في تاريخ المنطقة الحديث.
تستحق قطر ، أن تكون في صدارة الدول المرشحة لنيل جائزة نوبل للسلام، لما قدمته من جهود مخلصة ومتواصلة في نزع فتيل النزاعات، واحتضان مبادرات الحوار، والدفع باتجاه الحلول السلمية في أكثر من ساحة إقليمية ودولية.
من غزة إلى السودان، ومن ليبيا إلى أفغانستان وسوريا والبوسنة والصومال، كان الدور القطري ثابتًا في جوهره، السعي إلى السلام، ودعم الاستقرار، وحماية المدنيين، عبر أدوات دبلوماسية ناعمة تقوم على الحوار والوساطة، لا على الفرض والإملاء.
وفي خضم الحرب على غزة، كانت الدوحة ، بما تمثله من ثقل سياسي وإنساني ، في مقدمة الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية، وتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني، بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة. وقد تحملت قطر الكثير من الضغوط السياسية والإعلامية، لكنها تمسكت بثوابتها في الدفاع عن الحق الإنساني، مؤمنة بأن السلام لا يولد من الصمت، بل من الموقف الشجاع.
لا يمكن الحديث عن الدور القطري دون الإشارة إلى قناة الجزيرة، التي تحولت إلى صوتٍ حرٍّ في زمنٍ امتلأ بالتضليل. فقد دفعت الجزيرة ثمن التزامها المهني غاليًا، إذ قدّم عدد من صحافييها حياتهم في الميدان وهم ينقلون الحقيقة من قلب الأحداث في غزة.
هذا الموقف الإعلامي المتجذر في قيم العدالة والإنسانية هو امتداد طبيعي للسياسة القطرية التي اختارت أن تكون إلى جانب الإنسان المظلوم، لا السلطة العابرة.
إلى جانب قطر، تبقى مصر ركيزة أساسية في جهود السلام في المنطقة. فالقاهرة، بخبرتها الطويلة في ملفات الصراع العربي، وبعلاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف، أدت دورًا لا يقل أهمية في التفاوض وإدارة الأزمات، خصوصًا في الملف الفلسطيني.
ومن خلال وساطتها المستمرة بين الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، أثبتت مصر أن القيادة العاقلة يمكن أن تحفظ الدم وتفتح باب الأمل، رغم التعقيدات السياسية والضغوط الإقليمية.
إنّ ما تقوم به قطر ومصر اليوم لا يقتصر على الجانب السياسي، بل يمتد إلى البعد الإنساني، حيث تتكامل أدوارهما مع دول كثيرة اهمها الاردن والسعودية والكويت ودول عربية وصديقة، في إغاثة المتضررين، ودعم جهود الإعمار، وفتح مسارات الحوار التي تحفظ الكرامة الإنسانية.
وإذا كانت جائزة نوبل للسلام قد وُجدت لتكريم من يسهم في حفظ السلم العالمي، فإنّ قطر، بجهودها المتواصلة وسياستها الرصينة، تجسد جوهر هذه الجائزة، خصوصًا في ظل قيادتها الواعية الممثلة بـ سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي أصبح رمزًا دوليًا للعقلانية والاعتدال والعمل الدبلوماسي البنّاء.
بين العقل المصري الراسخ والقلب القطري النابض بالسلام، يتشكل مشهد عربي مشرّف يعيد الاعتبار لفكرة أن العالم العربي يمكن أن يكون صانع سلام لا مستهلكًا له.
وإذا ما مُنحت جائزة نوبل للسلام هذا العام لهاتين الدولتين، فإنها ستكون جائزة ليست ذا قيمة، وعلى الذين يقررون في اوسلو هذه الجائزة ان يتنبهوا الى قيم العدالة والحياد في منح هذه الجائزة خصوصا فيما يتعلق بالنزيف الذي استمر عامين في غزة، وقد كانت قطر ومصر هما الأحق ، لا فقط لجهودهما في غزة، بل لمسيرتهما الطويلة في دعم السلام في مناطق عدة من العالم، في وقتٍ أصبح فيه صوت الحكمة عملةً نادرة في العلاقات الدولية.