يبدو أن الرفاهية في الأردن لم تعد تُقاس بعدد الدنانير في الجيب، بل بعدد "الصور الشخصية" وعدد السيارات في الستوري! في زمن الفيسبوك، صار الأردني يدخل حسابه في المساء ليجد أصدقاءه قد فتحوا مطاعم في صورهم، واشتروا قصورًا في منشوراتهم، وسافروا إلى جزر المالديف عبر خاصية "الذكريات"!
والمسكين من لا يملك سوى “كومنت” يقول فيه: “صحة وعافية يا غوالي”… وكأنه يشارك في الوليمة عبر الواي فاي.
أما العدّ الحقيقي للرفاهية في الأردن؟ على ما يبدو يُقاس بعدد المناسف على الطاولات… بالصواويين!
كتب الزميل الأستاذ سمير الحياري البوست التالي على صفحته الخاصة على فيسبوك، يقول فيه:
يقول حارس عمارتنا "سامح المصري" وهو يتابع بعض الأردنيين على الفيسبوك: والله انتوا الاردنيين "عايشين في نعمة" مش داريين بها.
كلمة "الحارس سامح" التي قيلت بعفوية، تصلح لأن تُعلَّق على باب الفيسبوك نفسه. فحقًا، من يتابع حياة الأردنيين على هذه المنصّة يظن أننا نعيش في سويسرا بنسخة منسفية!
وفي الفضاء الأزرق، كل شيء عندنا بخير:
هناك من يصور منسفًا بحجم دائرة انتخابية ويكتب: “جمعة مباركة مع الحبايب”… بينما تكتشف أن الحبايب هم شخصان وطبق رز عملاق، وعدد المناسف على الطاولة يُحسب بالصواويين!
وآخر يلتقط صورة أمام سيارة فارهة ويكتب: “تعب السنين ما بروح هدر”… دون أن يخبرنا أن السيارة تعود لصديقه الذي التقط الصورة من زاوية استراتيجية.
وثالثة تصوّر فنجان القهوة بجانب مسبح فيلا وتكتب: “الراحة النفسية أهم شيء”… بينما المسبح تابع لمنتجع تأجير بالساعة.
وغيرهم ينشر صور القصور المزخرفة مع اقتباسات عن التواضع، في مشهد يجمع بين التصوف والمكيّف المركزي.
ومابين الواقع والفيسبوك:يرى الحارس سامح أن الرفاهية بعينيه، لكن ليس في الشوارع بل في المنشورات.
فهو كل يوم يتصفح الفيسبوك، فيرى أردنيين يعيشون في "جنة إلكترونية" — طعام، سفر، سيارات، وجلسات على شاطئ العقبة لا تنتهي.
ربما لا يدري أن بعض تلك الصور مأخوذة من “جوجل”، وأن بعض الولائم قد انتهت قبل أن تصل الكهرباء إلى الحي.
ربما نحن فعلاً نعيش في نعمة، لكن نعمة الفلاتر والتعليقات.
وسامح المصري محق تمامًا… فقط لو عرف كم من تلك النعمة “أونلاين” وليست “كاش”.
في النهاية، الرفاهية في الأردن اليوم ليست في الراتب أو الحساب البنكي، بل في مهارة تحرير الصور وتوقيت النشر… وعدد المناسف على الطاولات بالصواويين!
أما الباقي، فكلنا تمام والله، عايشين بنعمة مش داريين فيها"وكذب المنجمون، وصدق الحارس سامح."