ضمانات ما بعد المرحلة الاولى: بين المضي قدماً والخرق وعدم التنفيذ
صالح الشرّاب العبادي
10-10-2025 10:51 AM
منذ أن وُضعت خطوط ما يُعرف بـ«خطة ترامب» موضع النقاش بعد عامين من حرب غزة، بدا واضحًا أن الخطر الحقيقي لا يكمن في نصوص الاتفاق، بل في الضمانات لتنفيذ مراحله التالية.
فالتاريخ القريب يقول إن معظم الاتفاقيات التي وُقّعت تحت النار، ولم يكن هناك ضمانات قوية نافذة ، سقطت عند أول اختبار ميداني. وهنا، تُطرح الأسئلة الكبرى: من يضمن التطبيق؟ ومن يراقب الميدان؟ ومن يملك القرار إن انهار الاتفاق او اخترق من قبل أحد الأطراف او التلكؤ في تنفيذه؟
أولاً: الضمانات… اختبار النوايا
المرحلة الأولى من الاتفاق – وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى – هي الجزء السهل.
أما المراحل التالية، فهي التي تحدد مستقبل غزة والمنطقة.
من سيُدير القطاع؟ من سينزع سلاح المقاومة؟ من يضبط الداخل و الحدود والمعابر؟
ومن سيشرف على إعادة الإعمار وتوزيع المساعدات؟
الجرحى والمصابين والمحطمين نفسياً والثكالى والذين بحاجة الى علاج فوري، كيف سيتم التعامل معهم .
من يضمن الأمن العام في القطاع ؟
هذه الأسئلة لا تملك حتى الآن إجابات قاطعة.
فكل طرف يقرأ “الضمانات” بما يخدم مصلحته.
حماس تراها حمايةً من الغدر الإسرائيلي،
بينما إسرائيل تراها قيدًا على سيادتها العسكرية،
أما الوسطاء – من واشنطن إلى بعض العواصم العربية – فيسعون إلى هندسة منطقة آمنة بلا نار ولا سيادة حقيقية لأحد خاصة في العقبة الاولى.
لكن، أي ضمانات هذه التي تُدار من خارج الميدان؟
وأي ثقة يمكن أن تُبنى بين مقاومٍ فقد بيته، وعدوٍ لا يعترف بوجوده أصلًا؟
ثانياً: هل تقبل حماس وإسرائيل بالضمانات؟
الطرفان – رغم الخطاب المعلن – يقتربان من مرحلة “القبول المصلحي”، لا القبول القيمي.
حماس تدرك أن سلاحها هو ورقة البقاء الوحيدة وبقائها في غزة حق واجب ..
لذلك، فإن الحديث عن “نزع السلاح” دون ضمانات سيادية وسياسية واقتصادية متكاملة هو انتحارٌ سياسي لا يمكن أن تقبل به.
هي مستعدة لمناورة طويلة، تحفظ شكل المقاومة ولو جزئيًا، وتمنع تحويل القطاع إلى سجن مراقَب دوليًا.
أما إسرائيل، فهي كعادتها تريد “سلامًا بلا ثمن”.
تريد وقف إطلاق النار، لكنها لا تريد الانسحاب الكامل.
تريد أمن حدودها، لكنها لا تريد التزامات إعمار أو مسؤولية عن المدنيين.
تريد أن تتحكم في المعابر والمساعدات، لكنها لا تتحمل مسؤولية إدخالها.
وما بين “تريد” و“لا تريد”، تضيع الحقيقة الكبرى:
أن الشعب في غزة هو من يدفع الثمن وحده، في كل مرة.
ثالثاً: مصير المتعاونين… بذور فتنة داخلية
من أخطر ما يتسرّب من خلف الكواليس، أن إسرائيل أعلنت عدم مسؤوليتها عن المتعاونين المحليين الذين ساعدوها أثناء الحرب.
وهذا التصريح ليس تفصيلًا عابرًا، بل شرارة صراعٍ داخلي محتمل.
فحين ينهار النظام الأمني، وتُترك فئة متهمة بالتعاون بلا حماية ولا محاكمة عادلة او اندماج مع المجتمع ، تكون الأرض مهيأة لانفجارٍ داخلي تُريده إسرائيل ليُكمل ما فشلت به القنابل:
تفكيك البنية المجتمعية لغزة من الداخل.
إسرائيل تُدرك أن الحرب الأهلية لا تحتاج إلى طائرات.
يكفي أن تُضعف الثقة بين الناس، وتترك جروح الغضب مفتوحة، حتى يتحول المجتمع إلى ميدانٍ بلا جبهة موحّدة.
وهذا ما تخشاه المقاومة والشعب والمراقبين أكثر من القصف ذاته.
رابعاً: الإدارة والسيطرة بعد الحرب
السؤال الأخطر الذي يُتجنّب طرحه علنًا:
من سيُدير غزة بعد الاتفاق؟
هل ستكون إدارة فلسطينية موحّدة؟ أم سلطة انتقالية برعاية عربية؟ أم وصاية أمنية بغطاء دولي؟ ام قوات أممية مشتركة مع شخصيات تكنوقراط من الفلسطينيين..
الإعلان الان عن مصر وتركيا وقطر ، وأمريكا ودول غربية …
وهناك سؤال يطرح بصمت ، اين الأردن والسعودية والبحرين والإمارات..؟
أين السلطة الفلسطينية؟
جميع هذه السيناريوهات تُناقش خلف الأبواب المغلقة، لكن أيًّا منها لم يُحسم.
ذلك أن كل طرف يريد الإمساك بمفاصل القرار دون أن يتحمل أعباء الإعمار أو التزامات السلام ، او هناك دول ستدفع هذا الثمن ؟
وحتى اللحظة، لا ضمانات مكتوبة تمنع إسرائيل من إعادة احتلال القطاع متى شاءت، أو قصفه بذريعة “الردع أو الدفاع عن النفس ”.
خامساً: إعادة الإعمار… بين السياسة والإنسان..
الملف الإنساني هو الأكثر تعقيدًا.
فإعادة إعمار غزة ليست مشروعًا هندسيًا، بل ملفًا سياديًا يرتبط بالسيطرة على الأموال والمساعدات.
من سيدخلها؟ ومن يوزعها؟ ومن يقرر الأولويات؟
إسرائيل تريد التحكم الكامل في ذلك تحت شعار “الرقابة الأمنية”،
بينما ترى المقاومة أن هذا تحكمٌ في لقمة الناس واستمرارٌ للحصار بأدوات جديدة.
وفي ظل غياب مرجعية فلسطينية موحّدة، يبدو أن الإعمار سيتحول إلى أداة ابتزاز سياسي،
يُكافأ به من يطيع، ويُعاقب به من يعارض.
وهذا بحد ذاته مشروع انفجارٍ مؤجل.
سادساً: غزة… ما بعد الحرب
بعد عامين من الألم والجوع والدمار، لم يعد السؤال: “من انتصر؟”
بل: “من بقي واقفًا؟”
شعب غزة اليوم يعيش بين الخوف من القادم، واليأس من الوعود، والتعب من الخطابات.
جيلٌ كامل نشأ في الركام، وتعلم أن الهدنة ليست سلامًا، وأن الإعمار قد لا يعني الحياة.
من دون ضمانات حقيقية، وعدالة انتقالية تحفظ الكرامة،
ومن دون رقابة عربية ودولية جادّة تضمن أمن الناس وحقوقهم،
لن تكون المرحلة القادمة سوى هدنة فوق الرماد،
تسبق جولة جديدة من الحرب، أو فتنة داخلية أخطر من الحرب ذاتها.
الضمانات ليست بنودًا سياسية، بل مفاتيح نجاة أو بوابات موت.
فإما أن تُبنى على الثقة والعدالة، أو تتحول إلى فخٍ جديد يعيد الصراع بصيغٍ مختلفة.
وما لم يُدرك المجتمع الدولي والعربي أن غزة ليست ملفًا تفاوضيًا بل قضية إنسانية وسيادية في آنٍ واحد،
فإن كل ما يُكتب اليوم سيُعاد بعد عامين بعبارات مختلفة… ودماء جديدة.
غزة وشعب غزة اليوم بحاجة إلى دعم اقوى وأعظم وأكبر مما كان اثناء الحرب.