ليس كلُّ قلبٍ وعاءً صالحًا للحنان،ولا كلُّ روحٍ تُزهرُ حين يُسكب الضوء فجأةً على عتمتها.
كما لا تُنبتُ الأرضُ كلَّ بذرةٍ، ولا تمنحُ المواسمُ عطاءَها في كل وقت
بعضُ الأرواحِ وُلدت في جفافٍ مزمن، نشأت على الحذر، وتغذّت من بقايا الشعور،فإذا جاءها الدفءُ دفعةً واحدة، تراجعت، تاهت، أو انكمشت كزهرةٍ باردةٍ أمام شمسٍ مفاجئة.
لا يُرَوّى القلبُ الغريب كما تُروى القلوبُ المعتادة، ولا يُهدى النورُ دفعةً واحدةً لمن لم يعتَد سوى العتمة.
ففي بعض الحالات، يُصبح الحنانُ المُفرِط كالسيل الجارف… يُرعبُ، يُغرق، ولا يُنعش.
الحبُّ ليس اندفاعًا، إنما الوعي بتكوين الآخر… بما يحتمل، وبما لا يستطيع حمله بعد.
فبعض النفوس، كالأرضِ الخادعة، تلمع تحت المطر، لكنها تمتصّ الماء حتى التخمة، ثم تنكر الأثر…تحبّ حين تحتاج، وتنسحب حين ترى في الآخر ضمانا وجوديا تُفضّل نسيانه.
العطاءُ الحكيم يُمسَكُ بمكيالٍ من بصيرة، يعرفُ متى يكونُ الحضورُ حياة، ومتى يكونُ الغيابُ نجاة
العلاقاتُ لا تموتُ دائمًا من قلةِ الحُب، إنما من فائضه… فكما تموتُ الشجرةُ من العطش، قد تموتُ أيضًا من فرطِ السُقيا.
العاطفةُ حين لا تُضبط تُصبح عبئًا، وحين لا تُفهَم تُشوّه المعنى، وحين لا تُراعى فيها جذورُ الآخر… تفقدُ توازنَها منذ اللحظةِ الأولى.
النجاةُ ليست في الغمرِ الكامل، ولا في الغيابِ الكلي، بل في رقصةٍ دقيقةٍ بين القربِ والحذر، الاهتمامِ والترك، القولِ والصمت
ولعلّ أعمقَ دروسِ الحُب:
أن لا يُسقى أحدٌ قبل معرفةِ جذوره،
ولا يُقدَّمُ النورُ لمن لم تعتَدْ عينيه على وهجِ الحقيقة بعد.