facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




اختبار الإرادة بعد غزة .. استقرار أم انفجار !؟


فيصل تايه
12-10-2025 09:05 AM

بعد سنتين من الحرب التي مزقت نسيج غزة وأثرت في المعادلات الإقليمية ، تم الاتفاق على وقف إطلاق النار ، معلناً بداية مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والاختبارات ، لذلك فقد يظن البعض أن صفحات الحرب قد طويت وأن الأزمة انتهت، لكن الواقع الميداني والسياسي يخفي الكثير من المفاجآت، فغزة اليوم ليست مجرد مدينة تنشد الهدوء النسبي ، بل مختبر حي لتحديد مستقبل الصراع (الفلسطيني _الإسرائيلي)، ومؤشر على شكل المشهد الإقليمي القادم برمته.

وقف إطلاق النار لا يعني فقط توقف الطائرات والدبابات عن القصف، بل هو بداية مرحلة جديدة لاختبار الإرادات، مواجهة دقيقة بين من يسعى لإعادة ترتيب الواقع وفق مصالحه، ومن يريد صون المشروع الوطني الفلسطيني وحمايته من التلاعب الخارجي ، ففي هذه المرحلة تتجمع كل عناصر الاختبار ، بدءاً بالإنسان ، والأرض ، والسياسة، والوعي الوطني ، فالأزمة لم تنته ، بل دخلت طوراً أكثر تعقيداً واستراتيجية من مجرد هدنة مؤقتة، فالدمار الذي عاشته المدينة لم يخلف فقط أنقاضاً مادية وسياسية، بل فتح نافذة حساسة لتحديد مسار المستقبل الفلسطيني ، فكل خطوة تالية، من تبادل الأسرى والرهائن إلى إدخال المساعدات والإعمار، ليست مجرد إجراءات إنسانية، بل امتحان حقيقي لقدرة الأطراف على إدارة مرحلة يراد لها أن تكون نقطة انطلاق لترتيبات سياسية وأمنية دقيقة.

الملف الأكثر حساسية في هذه المرحلة هو ملف الأسرى والرهائن، إذ ان القوائم المعتمدة وأولويات الإفراج وآليات التنفيذ لا تعد مسائل فنية أو قانونية فحسب، بل خرائط نفوذ وسيطرة سياسية ، وأي تلاعب أو توظيف إعلامي لهذا الملف يمكن أن يقوض التهدئة قبل أن تبدأ فعلياً ، فيما تراقب العيون العالمية كل لحظة وكل اسم لتقدير مدى جدية الأطراف ، لكن ، ورغم هذه الحسابات السياسية، يظل الإنسان الغزي محور كل الترتيبات، فآلامه وصموده وأمله في حياة كريمة تشكل مقياساً حقيقياً لنجاح أي اتفاقات، وتمنح المعادلة بعداً إنسانياً يوازن بين السياسة والتحليل.

وإذا كان ملف الأسرى يختبر الثقة بين الأطراف، فإن ملف الإعمار والمساعدات يختبر نوايا الفاعلين الدوليين وقدرتهم على إدارة المرحلة بحكمة ، فدخول القوافل لا يتعلق فقط بإعادة تشغيل الكهرباء والمستشفيات، بل بإعادة رسم خريطة النفوذ وتثبيت شبكات السيطرة الدولية والإقليمية حول غزة ، وأي إدارة للإعمار بعيداً عن الشفافية ومشاركة الفاعلين المحليين قد تحول النجاح الميداني إلى فشل سياسي، ويصبح المال واجهة لإعادة إنتاج السيطرة بدلاً من إعادة الحياة.

أما الترتيبات الأمنية، فهي العقدة الأصعب في المشهد بعد الحرب، من حيث من سيحرس ما يبنى وكيف سيتم دمج الفصائل في إدارة محلية أو مؤسساتية ، مع الخيارات التقليدية الثلاث "التفكيك ، الدمج ، الاحتواء" كلها محفوفة بالمخاطر ، فالتفكيك القسري يخلق فراغاً ، والدمج يحتاج إلى حوافز سياسية واقتصادية حقيقية، بينما الاحتواء الطويل الأمد يضعف الشرعية المحلية. وقد يكون الحل الواقعي مزيجاً مرحلياً من ترتيبات أمنية محدودة، ومراقبة دولية، ودمج تدريجي للعناصر المدنية اقتصادياً وسياسياً، دون فرض حلول قسرية من الخارج.

على الصعيد الإقليمي والدولي، تزداد المعادلة تعقيداً ، فالولايات المتحدة تلعب دور الضامن السياسي الأكبر، فيما تسعى الدول العربية الممولة والمراقِبة لإعادة تعريف دورها الإقليمي بعد أن أدركت مخاطر الانسحاب التاريخي من القضية الفلسطينية ، غير أن هذه الضمانات، مهما بدت قوية، ستبقى رمزية إن لم تدعَم بخطط تمويل مستقرة، ومؤسسات رقابية فاعلة، وإجراءات تنفيذية دقيقة على الأرض.

وفي هذا الإطار ، يجب النظر إلى غزة باعتبارها مختبراً لإعادة إنتاج الترتيبات السياسية في فلسطين وربطها بما يجري في الإقليم ، فإدارة غزة ليست قضية محلية فحسب، بل تجربة أوسع لإعادة رسم النفوذ بعد سنوات من الاضطرابات في سوريا والعراق وليبيا واليمن ، وأي تقصير في إدارة هذه المرحلة، أو إهمال للشرعية المحلية، قد يحوّل المدينة إلى بوابة لتشكيل كيان هش قابل للتمدد نحو الضفة، مع بقاء الهيمنة الإقليمية والتفوق الإسرائيلي.

المرحلة المقبلة هي أيضاً اختبار للوعي الوطني الفلسطيني ، فالنجاح لن يقاس فقط بوقف إطلاق النار أو بسرعة إدخال المساعدات، بل بقدرة المجتمع على الحفاظ على مشروعه الوطني في الوجدان الجمعي ، فالتعامل مع الواقع تحت شعار “الواقعية السياسية” دون صون الوعي الوطني المستقل، سيؤدي إلى تفريغ المشروع التحرري من جوهره، ويحول الفلسطيني من فاعل في تقرير مصيره إلى متلق للحلول المفروضة عليه.

أما المستقبل ، فسيظل مفتوحاً على سيناريوهين متناقضين : الاستقرار الهش الذي تدار فيه التفاهمات بعناية لكنها تبقى قابلة للاهتزاز عند أول صدمة سياسية أو أمنية، أو الانفجار المتقطع نتيجة إخفاق في ملفات الأسرى أو الإعمار، ما قد يقود إلى احتجاجات وتصعيدات متفرقة ، لكن وفي المقابل، يبقى الأمل في إعادة تشكل سياسي شامل يستند إلى مشاركة محلية واسعة، وخطط شفافة للإعمار، وقيادة وطنية جامعة قادرة على ترجمة التفاهمات الدولية إلى سلطة فاعلة ومستقلة، لتصبح غزة قلب مشروع استراتيجي متكامل لا مجرد ساحة تجريب.

ختاماً ، فان ما بعد غزة ليس مجرد هدنة عابرة، بل امتحان حقيقي للإرادات السياسية والاجتماعية على كل المستويات، تحد لإعادة بناء الثقة، ولإثبات قدرة الفلسطينيين على حماية مشروعهم الوطني من التحول إلى أداة في يد النفوذ الخارجي ، فالمستقبل لن يُكتب في مكاتب المفاوضات وحدها، بل في قدرة الفلسطينيين على صون وعيهم الوطني، واستعادة زمام المبادرة، وتجسيد مشروعهم التحرري على الأرض .

إن غزة اليوم ليست مجرد مدينة، بل مقياس حي لقوة الإرادة الوطنية، ومؤشر على مدى استعداد الجميع لمواجهة المخاطر والتحديات التي ستحدد مصير فلسطين لعقود قادمة.

والله بالغ امره





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :