facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تعليمات الأراضي تُحاكم النوايا


م. عامر البشير
12-10-2025 10:00 AM

مفارقات العدالة العمرانية .. المدينة حين تتّسع بالشوارع وتضيق بالعدالة

في المدن التي تتّسع شوارعها أكثر مما تتّسع بالعدالة، يتحوّل التخطيط العمراني من وسيلةٍ لتنظيم النمو إلى مرآةٍ للتمييز، فبدل أن يكون التنظيم أداةً للتنمية، يصبح وسيلةً لتصنيف الاشخاص والأمكنة، وتغدو المدينة خريطةً من الامتيازات، تُوزّع فيها الحقوق بميزانٍ مختلّ يميل إلى الحظّ أكثر مما يميل إلى الجهد في اغتنام الفرص.

العدالة التي توقّفت عند منتصف الطريق

في قلب هذه المفارقة، قد تجد قطعتين من الأرض لا يفصل بينهما سوى جزيرةٍ وسط شارعٍ رئيسيّ؛ أحد جانبيه يُصنّف كـ«منطقة تنموية» تتدفّق عليها التسهيلات والإعفاءات، والطرف الآخر ينوء بالقيود وتعدّد المرجعيات، لا لشيءٍ سوى أنه يقع خارج خارطة التنمية، وكأنّ العدالة العمرانية توقّفت عند منتصف الطريق، عند تلك الجزيرة الفاصلة، وكأنّ الخطّ التنظيمي تحوّل من دليلٍ للتخطيط إلى جدارٍ فاصل بين الامتياز والتعقيدات.

من «النافذة الواحدة» إلى «النافذة المغلقة»

خدمة النافذة الواحدة التي بُشّر بها ذات يوم كرمزٍ للتيسير، تحوّلت اليوم إلى نافذةٍ مغلقة في وجه المستثمرين، فملفّات أصحاب الحظوة تسير بسرعة الضوء، بينما تتكدّس ملفات الآخرين في طوابير لا تنتهي، تُفحَص بعين الشكّ لا بعين الثقة، بات المطوّر يُعامَل كمشتبهٍ به لا كشريكٍ في التنمية، وغدا القانون مظلّة حذرٍ بدل أن يكون مظلّة ثقة، فالمستثمر اليوم يُحاكَم على النوايا قبل الأفعال، وعلى الاحتمالات قبل الوقائع.

مخطط عمّان الشمولي... وعدٌ لم يكتمل

حين أُطلق مخطط عمّان الشمولي، وعد بعصرٍ من الحداثة العمرانية يتمحور حول الإنسان، لكنّ تفاصيله الدقيقة بقيت حبلى بالتناقضات.
عجزت دوائر التخطيط والتنظيم المختصّة عن تفكيك شيفراته، فظلّت الرؤى الكبرى حبيسة الأدراج، نصوصًا بلا حياة، وأوراقًا بلا تطبيق.
وهكذا غابت روح المبادرة، وتجذّر الجمود التنظيمي، واتّسعت الفجوة بين طموح المخطط وواقع الإدارات.

التفسير الجامد... حين تتدخّل المؤسسات خارج اختصاصها

في خضم هذا الالتباس، تدخّلت مؤسساتٌ لا علاقة لها بشؤون التنظيم العمراني — كدائرة الأراضي والمساحة — وبدأت تُفسّر وتجتهد خارج النّص، وتضع قيود تُثقل حركة التطوير بدلاً من أن تيسّرها.

هذا التدخل، القائم على فهمٍ جامد لطبيعة الاستثمار العقاري، حوّل النصوص إلى قيودٍ جديدة تُضاعف من أعباء المخطط الشمولي بدل أن تُعزّز تنفيذه.

التعهّد الغريب... معاقبةٌ على النوايا

في الممارسة اليومية، أصبح المطوّر رهينة تعليماتٍ تُلزمه بتوقيع تعهّدٍ عند تسجيل قطع أراضي بأسماء شركات، يُعفى منه الأفراد، في ازدواجية تفرّق بين الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري، يقضي هذا التعهّد بدفع غرامةٍ (2٪) من قيمة الأرض في حال تغيير استعمالها لاحقًا، حتى لو تمّ ذلك ضمن المسار القانوني المعروف لتعديل التنظيم.

هذا التعهّد لا يستند إلى أيّ نصٍّ قانوني، ومع ذلك أصبح واقعًا مفروضًا على المستثمرين، وكأنه حكمٌ مسبق على ما قد يفعلونه، فالمطوّر يُعاقَب اليوم لا على فعله، بل على نيّته، ويُمنع من حقّه في التطوير حتى لو كان التغيير متّسقًا مع مخرجات المخطط الشمولي.

فلسفة تُعاقب الطموح وتكافئ الامتياز

ليست هذه سياسةً حكيمة كما يظنّ البعض، بل انعكاسٌ لعجزٍ في الفهم ورؤيةٍ قصيرة المدى، فالعمران لا يقوم على الشكّ، بل على الثقة، والاقتصاد العمراني في جوهره ديناميكيّ ومرن، يقوم على التطوير والمجازفة المحسوبة، والتعاون بين القطاعين العام والخاص.

لكن حين تصبح الإجراءات الرسمية وسيلةً للعقاب بدل التحفيز، يهرب الطموح، ويتحوّل التطوير إلى مغامرةٍ خاسرة، والمفارقة أن أولئك الذين يحظون بالإعفاءات هم الأقلّ إسهامًا في التنمية، بينما يتحمّل المطوّرون الحقيقيون العبء الأكبر وفي الحقيقة هم من يخلقون القيمة الفعلية للاقتصاد الوطني.

التمييز الجغرافي... حين يصبح الامتياز موقعًا

العدالة لا تُقاس بموقع القطعة على الخريطة، بل بمقدار إسهامها في الاقتصاد الوطني.

التمييز الجغرافي بين من يملك أرضًا على جهة من الطريق وآخر على الجهة المقابلة هو فصلٌ مكانيّ يُفرّغ العدالة من معناها.

والأغرب أن القانون نفسه يُطبّق بمعيارين؛ فالأفراد يُعفون من توقيع التعهّد، بينما تُجبر الشركات عليه، رغم أن الدستور ينصّ على المساواة أمام القانون دون تمييز.

حين تفقد المدينة روحها

المدينة التي تُدار بالنفوذ لا بالعدالة، تفقد روحها ومعناها، فحين يضعف حياد القانون، يغيب الصالح العام، ويتحوّل التخطيط من أداةٍ للإنصاف إلى هندسةٍ للتمييز، ويُختزل العمران في الامتيازات بينما تُقصى الكفاءة ويُعاقَب الجهد.

الإعفاءات الانتقائية... تشوّهٌ أخلاقيّ واقتصاديّ

الإعفاءات الانتقائية لا تخلق فرصًا، بل تشوّهات، فهي تكافئ الامتياز وتُقصي الجدارة، وتزرع في السوق روحًا من عدم العدالة تُضعف الثقة بين الدولة والمستثمر، العدالة الاقتصادية لا تقوم على العقاب، بل على الشراكة؛ لا على الحذر، بل على الثقة.

العدالة العمرانية... إزالة الحواجز لا بناء الجسور فقط

العدالة العمرانية لا تتحقق ببناء الجسور فحسب، بل بإزالة الحواجز بين المواطن والمؤسسة، وبين الفكرة والإجراء، فالتنمية ليست قرارًا يُصدره مسؤولٌ أو إعلانًا لمنطقةٍ تنموية، بل منظومة فلسفية تجعل المدينة كلّها قابلةً للنموّ — بلا تمييز.

خاتمة
الاستثمار في العدالة أسبق من الاستثمار في الحجر، وهو أعظم ما يمكن أن تقدّمه الحكومات لبناء الثقة واستدامة التنمية.

إنّ تدخّل دائرة الأراضي في قضايا تُقوّض التنظيم وتُعاقب على تغيير صفة الاستعمال يعتبر حجر عثرة في طريق الاستثمار، ويشكّل تجاوزًا لاختصاصها الطبيعي، ويمسّ وضوح منظومة الحوكمة العمرانية.

حين تُدار القوانين بعين الشكّ، يُفقد المستثمر الثقة، وتتآكل العدالة الاقتصادية، وتتحوّل النصوص من حاميةٍ للحقوق إلى أدواتٍ لتقييدها، فالقانون العادل لا يُحاكم النوايا، بل يُنصف الأفعال.

يأتي هذا المقال في إطار النقد البنّاء للسياسات العامة، احترامًا لمبدأ سيادة القانون وتعزيزًا للعدالة الإجرائية، وإظهار الأثر التشريعي والإجرائي السّلبي لتعليمات دائرة الأراضي والمساحة، المتعلق بتسجيل الأراضي وتعهّدات عند تغيير الاستعمال، وما يترتب عليها من نتائج مباشرة على البيئة الاستثمارية والعدالة العمرانية في الأردن.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :