facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




لماذا على الفلسطينيين إعادة صياغة مشروعهم الوطني؟


م. وائل سامي السماعين
14-10-2025 02:28 AM

عندما ذهبتُ للدراسة في المملكة المتحدة في منتصف سبعينات القرن الماضي، كنت أتابع باهتمام النقاشات التي تدور بين الطلبة العرب حول القضية الفلسطينية. لاحظت آنذاك أن كثيرين كانوا يعرضونها بطريقةٍ متشنجةٍ تُثير النفور بدل التعاطف؛ فكان الخطاب يرتكز على كراهية اليهود كديانة، لا على المطالبة بالحق الوطني والسياسي. كنت أرى أن هذا النهج خطير، لأن الحديث بلغةٍ دينيةٍ متعصبةٍ هو ما أشعل نار الحربين العالميتين، وأدى إلى مأساة الهولوكوست التي ارتكبها النازيون بحق اليهود. لذلك كنت أؤكد دائمًا أن القضية الفلسطينية ليست دينية بل سياسية، وأن هدف الفلسطينيين هو العيش على أرضهم واستعادتها حسب الشرعية الدولية ، لا الدخول في حرب أديان ،وكنت ألاحظ أن هذا الخطاب الهادئ والعقلاني يلقى تفهّمًا وتعاطفًا من المستمعين الغربيين.

ومع مرور الزمن، رأينا كيف يمكن للغةٍ واحدةٍ أن تُحدث فرقًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام العالمي. فعندما ارتكبت حركة حماس جريمة السابع من أكتوبر، التي سمتها "طوفان الأقصى" والاقصى برىء منها ، خرج وزير خارجية إسرائيل إلى الأمم المتحدة وبثّ للعالم مقطعًا صوتيا يُظهر احد افراد حماس يتباهى أمام والدته بأنه قتل وأسر يهود.

المشهد أثار موجة تعاطفٍ عالميةٍ مع إسرائيل، لأن ذاكرة الإنسانية ما زالت تحمل جرح المحرقة، وما زال الضمير الغربي حساسًا تجاه أي مشهدٍ يعيدها. وفي المقابل كيف تغير الراي العام العالمي الشعبي والرسمي بالتعاطف مع الشعب الفلسطيني وتوالت الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية على اساس حل الدولتين .

من هنا، أرى أن على الفلسطينيين مسؤوليةً كبرى في إعادة صياغة مشروعهم الوطني، والانتقال من خطاب المقاومة إلى خطاب البناء والثقة. أعلم أن تغيير الفكر الجمعي الذي تربّت عليه أجيالٌ من الغضب ليس سهلًا، لكنه أصبح اليوم ضرورةً وجوديةً. فالحلم بإقامة الدولة لن يتحقق ما لم يتغيّر ما في داخل الإنسان الفلسطيني أولًا. فالارضية موجودة وصلبة، فقد اصبح هناك تعاطف عالمي شعبي مع الفلسطنيين وقضيتهم بسبب المجازر التي ارتكبتبها حكومة نتنياهو المتطرفة والتي اصبحت في عزلة عالمية ، ولهذا على الفلسطنيين ان يتعلموا الدرس .

الخطوة الأولى هي بناء جسور الثقة مع الإسرائيليين الذين يؤمنون بالسلام. لا يمكن لدولةٍ أن تولد وسط بحرٍ من الكراهية. هناك داخل المجتمع الإسرائيلي أغلبية صامتة تسعى إلى الاستقرار والعيش المشترك، والتقارب المدني والثقافي معها قد يُمهّد لسلامٍ حقيقيٍ قائمٍ على الثقة المتبادلة، لا على الشعارات . فالخطاب الفلسطيني يجب ان يتغير حتى يشعر الجانب الشعبي الاسرائيلي ان هذا الجانب يمكن العيش معه بسلام ، ولا يشكل تهدديا وجوديا لهم.

الخطوة الثانية هي نبذ نهج المقاومة المسلحة التي تحولت إلى دائرةٍ مغلقةٍ من الألم وردّ الفعل. استمرارها لا يقرّب الدولة، بل يبرر للمتطرفين من الجانبين مزيدًا من العنف. السلام لا يولد من فوهة البندقية، بل من صدق الرغبة في الحياة والعيش المشترك.

الخطوة الثالثة تتمثل في الانفتاح على الاقليم العربي والتركي فالدول العربية المعتدلة—السعودية، الأردن، مصر، قطر، تركيا ، والإمارات—تملك اليوم ثقلًا سياسيًا قادرًا على دعم المشروع الفلسطيني من خلال مفاوضاتٍ جانبيةٍ وضماناتٍ واقعيةٍ تحظى باحترام المجتمع الدولي، فالفلسطينيين غير قادرين وحدهم بالتأثير على اسرائيل او المجتمع الدولي ، ولذلك من الضروري ان يكون هناك غطاء ومظلة عربية واسلامية لبدء المفاوضات المباشرة مع اسرائيل ، والتي قد تؤدي الى قيام الدولة الفلسطينية ، وعلاقات دبلوماسية مع كافة الدول العربية والاسلامية .

الخطوة الرابعة هي الانخراط الذكي مع الولايات المتحدة، من موقع الشريك في بناء الاستقرار الإقليمي. يجب أن يكون المشروع الفلسطيني جزءًا من التحالف الأميركي الشرق أوسطي الجديد، لأن التحالفات لا تُبنى على الشعارات بل على المصالح المشتركة، فالولايات المتحدة يجب ان تشعر بأن الفلسطينيين سيكونوا جزاء من الحلف الشرق اوسطي الامريكي ، ولا يشكلون خطرا على مصالحهم الحيوية .

الخطوة الخامسة: إعادة ضبط الخطاب الإعلامي الفلسطيني
يجب أن يخضع الخطاب الإعلامي الفلسطيني لإعادة صياغة جذرية. فحين يتحول الإعلام إلى منبرٍ للتهويل والانفعال، يغذّي الكراهية والتطرف في الجانبين، ويُفقد القضية بُعدها الإنساني أمام العالم. لقد حان الوقت ليصبح الإعلام الفلسطيني عقلانيًا، هادئًا، موضوعيًا، يُخاطب العقول لا الغرائز، ويدعو إلى بناء الجسور لا إلى هدمها.

إن الدولة لا تُقام بالحجارة والحدود وحدها، بل تُبنى على وعيٍ جمعيٍّ راشدٍ يؤمن بالسلام كخيارٍ استراتيجي، لا كتنازلٍ مؤقت. فقيام الدولة الفلسطينية لن يتحقق إلا عندما يقرر الفلسطيني أن يتغيّر من الداخل؛ أن يستبدل لغة الغضب بلغة العمل، وأن يبني تحالفاته على الثقة بدلاً من العداء.

فحين تتبدل النفوس، تُفتح الأبواب، وحين يسود العقل على الانفعال، يولد الوطن الذي طال انتظاره.

والسؤال الجوهري اليوم: هل يمتلك الفلسطينيون القدرة على صياغة مشروع وطني جديد يتحدث بلغةٍ يفهمها العالم؟.

الفرصة قائمة، والأرضية مهيّأة أكثر من أي وقتٍ مضى. فالمجتمع الدولي أصبح أكثر استعدادًا لسماع الصوت الفلسطيني، إذا جاء بلغةٍ إنسانيةٍ عقلانيةٍ تُخاطب الضمير لا الغريزة، والأمل لا الانتقام. لقد أثبتت التجارب أن العالم لا يتجاوب مع الغضب، بل مع الفكرة التي تعبّر عن نضجٍ ومسؤوليةٍ ورؤيةٍ للمستقبل.

إن إعادة صياغة المشروع الوطني ليست ترفًا فكريًا، بل خيار وجودٍ وبقاءٍ. وحين يدرك الفلسطينيون أن العالم لا يسمع إلا من يتحدث بلغته، سيدركون أن الطريق إلى الدولة يبدأ من الكلمة قبل الحدود، ومن الفكرة قبل الخريطة. فبالحكمة والوعي، لا بالانفعال والسلاح، يمكن أن يُستعاد الوطن ويُبنى المستقبل.

ولعلّ الملك الحسين بن طلال، رحمه الله، وجلالة الملك عبدالله الثاني من أكثر الزعماء العرب تأثيرًا في العالم، لما امتلكاه من قدرةٍ استثنائية على مخاطبة المجتمع الدولي بلغةٍ يفهمها السياسيون وصنّاع القرار على حدّ سواء. فقد جمعا بين الحنكة الدبلوماسية وعمق الرؤية الإنسانية، واستطاعا إيصال الصوت العربي إلى العالم بلغة العقل والحكمة، لا الانفعال والشعارات، فحظيا باحترامٍ عالميٍ قلّ نظيره.

إن الانفتاح على الإعلام الإسرائيلي خطوة جريئة ومطلوبة، كما فعل الرئيس محمود عباس في مقابلته الأخيرة مع القناة 12 الإسرائيلية، حيث وجّه خطابه مباشرة إلى الرأي العام الإسرائيلي. هذه الخطوة ليست مجرد نشاط إعلامي، بل عمل سياسي مؤثر يعيد الإنسانية إلى الصراع، ويحوّل الكلمة إلى جسرٍ للسلام بدل أن تكون الرصاصة أداةً لاستمرار الدم.

waelsamain@gmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :