ورقة موقف الحزب الديمقراطي الاجتماعي حول الإدارة المحلية
جمال القيسي
14-10-2025 10:49 AM
قلنا في الحزب الديمقراطي الاجتماعي، في ما قلنا، من خلال ورقة موقف حول الإدارة المحلية في بلادنا، إنه لا يمكن النظر إلى الإدارة المحلية بوصفها مجرد جهاز خدماتي محدود الصلاحيات، بل كمدرسة حقيقية لتدريب المواطنين على ممارسة الديمقراطية، ومختبر واقعي للعلاقة بين المواطن والدولة، ومدى عمق "قيم المواطنة" و"سيادة القانون" و"تكافؤ الفرص" في الوعي العام.
في هذا السياق، تكتسب ورقة الحزب أهمية خاصة؛ لأنها لا تكتفي بتشخيص الواقع، بل تقدم رؤية متكاملة تمزج بين العمق السياسي والفكر الاجتماعي، وتضع الإدارة المحلية في قلب مشروع التحديث السياسي والإداري.
الورقة، وهي متاحة على الموقع الرسمي الإلكتروني للحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني ، جاءت بمثابة وثيقة فكرية وبرنامجية في آن معا، كي تعكس نضج التجربة الديمقراطية الاجتماعية في الأردن، وتُظهر كيف يمكن للفكر الحزبي أن يتحول من التنظير إلى الاشتباك بقضايا الشارع واقتراح حلول عملية.
موقف الحزب ينطلق من فهم عميق بأن تحديث الإدارة المحلية لا يكون من خلال تعديلات تشريعية فقط؛ بل بضرورة تحقيق تحول ثقافي وسياسي ومجتمعي وتربوي يعيد تعريف مفهوم "السلطة المحلية"، ويجعلها أداة لتحقيق العدالة والتنمية والمشاركة الشعبية؛فالحداثة الإدارية، كما يؤكد الحزب، لا تقوم على توسيع الهياكل البيروقراطية، بل على إدارة تقدمية للموارد الوطنية قائمة على الشفافية والتوزيع العادل، وتمكين البلديات والمجالس من ممارسة صلاحياتها باستقلال وفاعلية.
تستند رؤية الحزب إلى ثلاثة مبادئ تمثل جوهر الديمقراطية الاجتماعية بخصوصيتها الأردنية بالركائز الثلاث: المواطنة، وسيادة القانون، وتكافؤ الفرص. وهذه المبادئ لا ينبغي أن تظل مجرد عبارات براقة في الخطابات الحكومية، بل لا بد من اختبارها وترجمتها على الأرض، في البلديات والمجالس المحلية، حيث يكون المواطن شريكا حقيقيا في إدارة شؤون منطقته؛ فالمواطنة الحقيقية، كما تصفها الورقة، تعني أن يشعر المواطن بأنه شريك لا تابع، وأن صوته الانتخابي يترجم وعيه لا انتماءه الفرعي. لذلك تدعو الورقة إلى تمكين المجالس المنتخبة من اتخاذ قراراتها بحرية، وضرورة إشراك قوى المجتمع المدني في رسم السياسات المحلية عبر لجان استشارية وآليات استفتاء محلي.
أما سيادة القانون، فهي الأساس الذي تقوم عليه نزاهة القرار المحلي وفعاليته. وتوصي الورقة بوضع أطر تشريعية واضحة، وإنشاء رقابة مستقلة على الأداء المالي والإداري، وتدريب موظفي البلديات على ثقافة المساءلة القانونية لضمان العدالة والمهنية في العمل العام.
وفي مبدأ تكافؤ الفرص، تضع الورقة إصبعها على جوهر العدالة الاجتماعية، داعيةً إلى تمكين الكفاءات المحلية بغض النظر عن الانتماءات الاجتماعية أو الجغرافية، وإطلاق برامج تأهيل وتمويل عادل تشجع الابتكار المحلي وتكسر احتكار السلطة في القرار التنموي.
إن أهمية هذه الورقة لا تكمن فقط في مضمونها، بل في توقيتها ودلالتها؛ فهي تأتي قبيل صدور تعديلات جوهرية على قانون الإدارة المحلية، لتؤكد أن الأحزاب الديمقراطية قادرة على إنتاج معرفة سياسية إصلاحية، وأن الفكر "الديمقراطي الاجتماعي" يمكن أن يقدم بديلا واقعيا لخطاب الشكوى والإحباط ويأس الكثيرين من الواقع السياسي.
الإدارة المحلية، كما تراها ورقة الحزب، ليست تفصيلا عابرا في مشروع التحديث السياسي والاقتصادي، بل هي قلبه النابض؛ لأنها تمثل اختبار الدولة والمجتمع معا لإثبات قدرتنا على تحويل المبادئ الكبرى — المواطنة، وسيادة القانون، وتكافؤ الفرص — إلى واقع إيجابي ملموس في حياة الناس.