facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إعلام قرار .. أمانة عمّان


16-10-2025 11:38 AM

حين تُثقل الأختام ميزان العدالة يصبح القرار الإداري قناعًا للجباية لا للعدالة الاجتماعية.

في زمنٍ لم يعد فيه الورق وسيلةً للتوثيق بل أداةً للهيمنة، يخرج علينا ما يُسمّى بـ «إعلام قرار»؛ ورقة ممهورة بختم الأمانة، لكنها خالية من أي سندٍ قانونيّ، تُدين دون قاضٍ، وتفرض دون نصّ، وتُنفّذ دون ضمير.

إنها ليست مجرّد إجراءٍ إداريّ كما يُروَّج لها، بل تحوّلت إلى شهادة وفاةٍ صامتة لمبدأ العدالة، والرّغبة في الاستثمار، تُعلن فيها البيروقراطية انتصارها على الإنسان، وتُحيل القانون إلى طقسٍ شكليّ يُستحضر فقط لتبرير الغياب التام للحقوق المشروعة.

فالشرعية ليست حبرًا على ورق، بل روحٌ تُستمدّ من الدستور، ومن مبدأ المحاكمة العادلة، ومن حقّ المواطن في الدفاع والاعتراض، وحين تغيب هذه الأركان، يسقط القرار من عليائه ليصبح مجرّد ممارسة سلطوية بلا عقلٍ أو رحمة.

لقد تآكلت فكرة الخدمة العامة في فلسفة الإدارة المحلية، وتحولت إلى مؤسسة جباية تتلظّى خلف مصطلحاتٍ قانونية صمّاء.
فالعدالة في جوهرها فعلُ توازنٍ بين الحق والسلطة، وحين تختلّ الموازين لصالح الأختام والأرقام، تتحوّل الدّول من راعٍية إلى جابٍ، ومن سلطةٍ قانونية إلى سلطةٍ جائرة.

ورقة بلا روح… وعدالة بلا وجه
«إعلام القرار» كما يُمارَس اليوم ليس إخطارًا، بل حكمٌ مكتوب مسبقاً دون قاضٍ ولا محكمة، يُرسل إلى المواطن او المستثمر كما تُرسل الفاتورة؛ لا يحمل رقم مخالفةٍ ولا محضر ضبط، فقط رقمٌ ماليّ يُدوَّن داخل خانة في نموذج بلون وردي مطبوع مسبقاً منحت سلطة تقديرية في غير محلها، ويتم ادخاله إلكترونياً بإرادة باردة، بمبالغ بعشرات ومئات الالوف من الدنانير، لا تعرف وجه الشّخص الذي تُعاقبه، ولا تشهد على واقعةٍ ميدانية واحدة.

إنها الورقة التي فقدت غايتها الأصلية؛ فبدل أن تكون وسيلةً لتنظيم العلاقة بين الإنسان والإدارة، غدت سوطًا مسلطًا على رقاب العباد، تحكم على الناس بالذنب لمجرد ملكيتهم، وتُدين الجار لأنه قريب من المخالفة لا لأنه سببها.

هكذا تتجلّى الجباية المقنّعة في ثوب العدالة؛ حيث يتحوّل النص الإداري إلى وسيلةٍ لملء خزائن العجز المالي بدل تصويب الأداء الإداري، وهنا مكمن الخطر، لأننا أمام انحرافٍ في فلسفة الرّقابة لا في الإجراءات فحسب.

المشروعية: روح القانون لا ختم الورق
في الدولة الحديثة، المشروعية ليست إجراءً شكليًا يُبرّر السلطة، بل فلسفة تحكم حدودها الأخلاقية.
فـ«السلطة التقديرية» لا تعني أن تفعل الإدارات ما تشاء، بل أن تفعل ما يجب ضمن حدود العدل والإنصاف.
وحين تغيب هذه الحدود، يتحوّل القرار الإداري إلى انحرافٍ في جوهر السلطة، يفقد معه ركنيه المادي والشكلي، ويُصبح عديم الأثر قانونًا وأخلاقًا، فالشرعية لا تُستعار من ختم، بل تُبنى من نصٍّ نافذٍ وسندٍ قانونيّ واضح.
وقد حسمت المادة (6) من الدستور الأردني المسألة بقولها:
«لا جريمة ولا عقوبة إلا بنصّ في قانون.»

وبالقياس، لا غرامة ولا جزاء إداري إلا بنصٍّ صريحٍ وواضح.
أما ما يصدر بلا نصّ، فهو قرارٌ مولود من العدم، لا يولّد أثرًا ولا يُورّث التزامًا.

العدالة بين النص والضمير
ليست العدالة في النصوص، بل في الضمير الذي يُفعّلها، والإدارة التي تفقد ضميرها تتحوّل إلى آلةٍ ميكانيكية تدهس العموم باسم النظام، حين تُصدر الأمانة قراراتٍ بمئات الآلاف من الدنانير دون محضرٍ أو تسبيب، فهي لا تمارس القانون، بل تمارس الجباية بغطاءٍ إداريّ.

وهنا لا يكون الانتهاك قانونيًا فحسب، بل أخلاقيًا أيضًا، لأن القانون بلا عدالةٍ هو شكلٌ من أشكال العنف المشروع، فمن حقّ الشّخص أن يُسأل قبل أن يُدان، وأن يُخاطَب بالحجّة قبل أن يغرّم، وأن تُسبَق العقوبة بالتحقق لا بالافتراض.

وحين يغيب هذا الترتيب، تنقلب العلاقة بين الدولة ومواطنيها من شراكةٍ إلى خصومة، ومن ثقةٍ إلى خوف، ومن انتماءٍ إلى نفور.

انحراف في الفلسفة لا في الإجراء
ما يجري في ممارسات «إعلام القرار» ليس خللًا إداريًا عابرًا، بل انحرافٌ فلسفيّ في مفهوم السلطة، فالقرار الإداري في جوهره أداةٌ لتصويب الخطأ، لا لتكريس الهيمنة، لكن حين يصبح وسيلةً لتحصيل الإيرادات، فإنه يفقد روحه الإصلاحية ويتحوّل إلى سلاحٍ اقتصاديّ يُستخدم ضد المواطن، هذه الحالة تخلق ما يُسمّى بـ «البيروقراطية العقابية»؛ إدارة لا ترى المواطن إلا كمصدر دخل، ولا تفهم القانون بمقاصدهِ، إلا بقدر ما يُدرّ أرباحًا، فتُفرغ النصوص من معانيها، وتُعيد إنتاج الظلم تحت عنوان النظام.

الجريمة الإدارية المقنّعة
حين يُفرَض الجزاء بلا جريمة، ويُجبى المال بلا نص، وتُنفّذ القرارات بلا محاكمة، فنحن أمام إنحراف إداري مكتمل الاركان.
ليست جريمةً ضد شخص بعينه، بل ضد مبدأ العدالة نفسه، فالقانون الذي يُستخدم لمعاقبة البريء يفقد شرعيته الأخلاقية، والإدارة التي تمارس سلطةً دون محاسبة تفقد حقّها في إصدار الاحكام، إنّ المأساة ليست في وجود الخطأ، بل في غياب المراجعة، وحين تتعطّل المساءلة المؤسسية، وتُغلق أبواب الاعتراض أو تُعقّد عمدًا، يصبح الطعن القضائي واجبًا وطنيًا لا مجرد حقٍ شخصيّ، لأنّ الدفاع عن القانون في هذه الحالة هو دفاعٌ عن الدولة ذاتها.

المواطن بين الجباية والعدالة
في الفلسفة السياسية، تُقاس شرعية القرارات لا بقدرتها على الجباية، بل بقدرتها على الإنصاف، الإدارات التي تُحاكم مواطنيها بالأوراق لا بالقانون، وتُثقلهم بالغرامات لا بالمسؤولية، تُفلس أخلاقيًا قبل أن تُفلس ماليًا.

وحين تتحوّل العدالة إلى رقمٍ في خانة، تفقد الدولة معناها، ويُصبح الختم رمزًا لسلطةٍ بلا روح.
والأخطر من كل ذلك أن هذه الممارسات تفتح الباب أمام شبهات الفساد، قرار يُلغى«بمحسوبية»، وغرامة تُخفّف «بواسطة»، وعدالة تُباع في الظلّ بينما القانون يُرفع كشعارٍ على الواجهة.

العدالة الضائعة في دهاليز الإدارة
لقد أصبح المواطن، في مواجهة الأمانة، شريكًا في اتهامٍ لم يرتكبه، ملفٌّ يُفتح بلا محضر، وغرامة تُفرض بلا سبب، واعتراضٌ يُهمل بلا ردّ.
وفي كل ذلك، تتجسّد صورة العدالة الغائبة — العدالة التي لا تُسمَع فيها شهادة المواطن، ولا يُنظَر فيها إلى الوقائع إلا من نافذة النظام الإلكتروني.

تتحوّل المدينة إلى متاهةٍ من القرارات الموقّعة بلا تفكير، تُنتج الخوف بدل الثقة، وتغرس في وعي الناس قناعةً خطيرة، أن القانون لم يعد حاميًا لهم، بل خصمًا جديدًا يُطالبهم بالولاء المالي قبل الولاء الوطني.

خاتمة: حين يُصبح الختم أثقل من الدستور
إنّ «إعلام القرار» كما يُمارس اليوم ليس مجرّد إجراءٍ إداريّ، بل تجسيدٌ لفلسفةٍ مختلّة في فهم السلطة.
سلطةٌ تُقدّس الورق وتنسى الإنسان، وتبحث عن الإيراد قبل الإنصاف، وتُوقّع دون أن تُفكّر في العدالة التي تسقط تحت الختم.

حين تسقط العدالة، لا يسقط القانون فحسب، بل تسقط هيبة المؤسسات ذاتها.
فالحكومات التي تستبدل العدالة بالجباية تفقد ثقة المواطن، وتفقد معنى وجودها.
وحين يُصبح القرار الإداري سيفًا مسلطًا على الرقاب، يغدو الطعن القضائي شكلاً من أشكال المقاومة المدنية دفاعًا عن روح الوطن.

فالقرار الذي بلا نصّ، وبلا سببٍ، وبلا ضمير، لا يستحق أن يُنفّذ، بل أن يُلغى ويُحاسَب صانعه.
أما العدالة، فهي لا تُبنى بالأختام ولا تُوقّع بالحبر، بل تُقام بالضمير الحيّ، وباحترام الإنسان قبل القانون.

فمن دون ذلك، لن تكون الحكومات سوى ظلٍّ لجسدٍ فقد روحه، وورقٍ أثقل من العدالة نفسها





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :