المرأة العربيّة .. مظهر رقمي وجوهر تقليدي
د. لينا جزراوي
18-10-2025 09:40 AM
رغم اتساع حضور المرأة العربية في فضاءات الحداثة الرقمية، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى مجالات العمل والتعليم عن بُعد، إلا أن هذا الحضور لم ينعكس بالضرورة في تحول ثقافي أو معرفي عميق. فما زالت اهتمامات كثير من النساء تتركز حول الطبخ والتجميل والأزياء وأعمال الرعاية، وإن جاءت هذه المرة مُغلفّة بأدوات التحول الرقمي، ومنصات “الإنفلونسر” و”المحتوى النسائي”.
فما يُمكن أن نلحظه في المحتوى الذّي تقدّمه بعض النماذِج النسائية تؤشّر على حداثة سطحية في إطار تقليدي . فلا يمكن فصل علاقة المرأة بالتحول الرقمي عن البيئة الاجتماعية التي تتحرك فيها. فالمُجتمع العربي، رغم انفتاحه التّقني، ما زال يحمل بُنية قيميّة مُحافظة تحكم سلوك المرأة وحدودها.
وبالتالي، حين تدخل المرأة فضاء الحداثة الرقمية، فهي لا تدخلها كفرد حر يسعى لإعادة تعريف ذاته، بل ككائنٍ يُعاد تشكيله وفق معايير “القبول الاجتماعي”. وهكذا تتحوّل المِنصّات الرقميّة إلى مرآة للثقافة السّائدة لا إلى وسيلة لتجاوزها.
فالمحتوى الأكثر انتشارًا هو ما يُعززّ الصورة النمطيّة للمرأة ، يُضاف إلى ذلك أن المدرسة والجامعة لا تُؤهل المرأة (ولا الرجل أيضًا) لأن تكون فاعلاً نقديًا قادرًا على مُساءلة الثقافة.
فالمرأة، منذ نعومة أظفارها، تتلقى خطابًا يربط قيمتها بدورها الاجتماعي، لا بقدرتها الفكرية أو الإبداعية، وعندما تصل إلى فضاء التحول الرّقمي، فهي تستخدم الأدوات ذاتها ولكن بعقلٍ تقليديٍ موروث.
إن التعليم الذي لا يزرع روح التّساؤل، والثقافة التي لا تُعلّم المرأة والرّجل التفكير المُستقل، لا يمكن أن تُنتِج “امرأة حديثة” ولا "رجل حديث" حتى لو امتلك الإثنان أحدث التقنيات.
لقد ساهمت أدوات الحداثة الرقمية في توسيع المجال التقليدي للمرأة بدلًا من كسره ، فالمرأة التي كانت تُمارس أدوارها التقليدية داخل المنزل، باتت تُمارسها الآن أمام جمهور عالمي، لكن ضمن الإطار ذاته، وبآليات رقمية أكثر بريقًا. هذا أدّى الى أن المرأة الرقميّة لم تتحرّر فكريًّا بفضل هذه الادوات بل أصبحت مُستهلكِة ومُستهلَكة في آنٍ واحد. فالشركات والمِنصات الرقمية تستثمر في رغباتها واهتماماتها، وتُعيد إنتاج أنوثتها في صورة تجارية مُربحة. وهكذا، تتحول أدوات الحداثة إلى قوة هيمنة ناعمة تُعيد إنتاج النموذج القديم للمرأة، ولكن بلُغة التكنولوجيا والموضة والعلامات التجارية.
لم تنجح ادوات الحداثة في صناعة امرأة حديثة ، ومازالت اهتمامات المرأة اليوم تصبّ في الطبخ والتجميل والأزياء وأعمال الرعاية التي نقلتها للمِنصّات ، واصبحت أكثر انتِشارًا وتلوّنًا .فالسؤال هنا : لماذا لم تساعد هذه الادوات في صناعة امرأة حديثة ، تُنافس على الفكر والمعرفة وتطور من ذاتها وتتجاوز الأدوار التقليدية التي لعبتها منذ فجر التاريخ !!
والإجابة من وجهة نظري، أنّ الحداثة لا تتحقق بالأدوات، بل بالعقل ، إن امتلاك المرأة لأدوات الحداثة لا يعني أنها أصبحت حديثة ، فالحداثة ليست هاتفًا ذكيًا أو مِنصّة رقميّة، بل قدرة على التفكير الحر، والاختيار الواعي، ومساءلة الموروث. وما لم تتغير البيئة الاجتماعية، والثقافة التعليمية، والبُنية القيميّة التي تُحدّد أدوار المرأة، ستبقى الأدوات مُجرد واجهة برّاقة، تُخفي خلفها عقلًا قديمًا ، نمطيًّا ، وتقليديّا.
* رئيسة الجمعيّة الفلسفيّة الأردنيّة