القيم الأردنية: المنظومة القيمية الاردنية بين الأصالة وروح العصر
د. بركات النمر العبادي
19-10-2025 01:20 PM
تُشكّل القيم الأردنية ركيزةً للهوية الوطنية ، إذ تمتزج فيها الأصالة العربية بجذورها الممتدة في عمق البادية ، مع الروح الإسلامية التي أضفت عليها بعدًا أخلاقيًا وإنسانيًا خالدًا ، وهذه القيم لم تكن يومًا مجرد موروث اجتماعي ، بل تحوّلت إلى منظومة متكاملة تنظّم علاقة الفرد بالجماعة ، وتوجّه المجتمع في مواجهة التغيرات المتسارعة.
وفي قلب هذه المنظومة ، تتقدّم النخوة كقيمة جامعة ، تختصر "الشهامة والمروءة والإيثار" فهي امتداد لقوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ الحشر: 9، وتجسيد لحديث النبي ﷺ : «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه »رواه البخاري.
لقد أشار ابن خلدون في المقدمة إلى أن العصبية — وهي جوهر النخوة — شرط لقيام العمران واستمراره ، إذ قال: «الناس في كل جيل لا بد لهم من عصبية يعصب بعضهم بعضًا بها» (ابن خلدون، المقدمة، ص 120). ومن هنا نفهم أن النخوة ليست مجرد استجابة آنية ، بل شرط وجودي لبقاء الجماعة.
أما المفكر محمد عابد الجابري ، فقد رأى أن القيم العربية الإسلامية يمكن أن تتجدّد عبر التاريخ إذا ما أُعيدت قراءتها في ضوء الحاضر، قائلاً: «التراث ليس صنمًا للعبادة ولا جثةً للتحنيط ، بل هو كائن حيّ نتفاعل معه ونستمد منه ما يعيننا على مواجهة تحدياتنا» (الجابري، تكوين العقل العربي، ص 45".
ويشير الفيلسوف مالك بن نبي إلى أن المجتمعات التي تحافظ على منظومتها القيمية قادرة على النهوض مهما واجهت من عثرات: «المجتمع الذي يمتلك مخزونًا أخلاقيًا، لا ينهار حتى لو انهارت مؤسساته» (مالك بن نبي، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، ص 87) وهذه الفكرة تُسقط مباشرة على الأردن ، الذي ظل متماسكًا رغم ما مرّ به من عواصف إقليمية بفضل منظومته القيمية.
ومن الناحية السوسيولوجية الحديثة ، يرى عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر أن القيم هي التي تُعطي الفعل الاجتماعي معناه ، إذ قال : «الأفعال لا تُفهم إلا إذا وُضعت ضمن إطارها القيمي» (Weber, Economy and Society, 1978, p. 31). وهذا ينسجم مع الواقع الأردني، حيث لا يمكن فهم تماسك المجتمع إلا من خلال استحضار منظومة النخوة والكرم والشهامة.
إن القيم الأردنية ليست آثارًا جامدة من الماضي ، بل طاقة روحية تتجدد في كل عصر و الأصالة فيها هي الجذور الراسخة التي تمنح الثبات ، وروح العصر فهي الأجنحة التي تمنحها التحليق ، و وبين الجذور والأجنحة يقف الأردن ككائن روحي يتغذى من ماضيه ، ويستنير بحاضره ، ويُبشّر بمستقبله.
النخوة ، في بعدها العميق ، ليست مجرد شهامة تُمارس ، بل هي صورة من صور الفناء في خدمة الآخر ؛ حيث يُذيب المرء ذاته ليكون سندًا لغيره ، فيرتقي من فرد محدود إلى معنى إنساني واسع ، وهي في جوهرها تجلٍّ من تجليات المحبة الإلهية ، تجعل الكرامة والإيثار سبيلًا للعبور إلى الله عبر خدمة الخلق.
وبذلك ، تصبح القيم الأردنية أكثر من هوية وطنية ، إنها رسالة كونية تقول للعالم : إن ما يحفظ الإنسان حقًا ليس صراع المصالح ، بل التقاء القلوب على العدل والكرامة ، حيث يتحوّل الوطن إلى مرآة تعكس معنى الإنسان في أصفى صوره.
حمى الله الاردن و سدد على طريق الخير خطى قيادته و شعبه