أعادت أحداث الجامعة الأردنية الأخيرة طرح السؤال الذي يتهامس به كثيرون دون تصريح:
هل أصبح انتماؤنا الضيق أسبق من انتمائنا للأردن؟

تتصاعد في المشهد أصواتٌ وراياتٌ تُرفع حول هوياتٍ فرعية، قبلية كانت أو مناطقية أو فكرية، في حين تتراجع الراية الأكبر — راية الوطن — إلى الخلف. هذه ليست أزمة عابرة، بل هي نتيجة تآكل الشعور بالعدالة وضعف الإيمان بتكافؤ الفرص. فحين لا يشعر المواطن بأن القانون يحميه، يبحث عن حمايةٍ بديلة في انتماء ضيّق. وحين يشعر بأن الأبواب لا تُفتح بالكفاءة، يبدأ بالبحث عن مفاتيح الولاءات والعلاقات.

وفي المقابل، هناك من يحوّل الانتماء إلى وسيلةٍ لتحقيق مكاسب ضيقة، أو إلى شعارٍ يُرفع وقت الحاجة ويُخفض عند المصلحة. وبين المظلوم الباحث عن الأمان، والانتهازي الباحث عن النفوذ، يضيع صوت الوطن ، ويصبح السؤال أكثر إلحاحاً:
هل الولاء أهم من الكفاءة؟ أم أن الوطن لا يقوم إلا بهما معاً؟

الحقيقة أن النهضة لا تقوم بولاءٍ أعمى يبرّر الخطأ، ولا بكفاءةٍ باردة بلا انتماء. الحل هو في الجمع بين الاثنين: أن يكون القانون سيداً فوق الجميع، وأن تكون المفاضلة على أساس الانتماء الصادق والكفاءة الحقيقية.

حينها فقط، يمكن أن نقدّم نموذجاً يحتذى في سيادة القانون وتكافؤ الفرص، حيث ينال كل ذي حقٍ حقه، وتُمنح الفرصة للقادر على النجاح والعطاء، لمن يستطيع أن يرفع الأردن، فيقدّمه الوطن ويكرّمه ويرفعه هو أيضاً.

لكن هذا لا يتحقق إلا إذا بدأنا إعادة تعريف طرق التقدم والنجاح في وطننا. نحن بحاجة إلى إعادة صناعة أدوات النجاح في كل القطاعات:
في الصحة والتعليم، في النقل والخدمات، في القضاء والإدارة، وفي نظم الحماية الاجتماعية. فهذه القطاعات هي الحكاية التي يجب أن نرويها لأجيالنا — حكاية العدل والقانون والنجاح.

نقف اليوم على منعطفٍ خطير في علاقة المواطن بدولته. والمطلوب ليس مزيداً من الشعارات، بل إعادة بناء عقدٍ وطني جديد، يقوم على الإيمان بأن الأردن هو المظلة الكبيرة التي تجمعنا، وأن العدالة والفرص المتكافئة هي الطريق الحقيقي لحماية هذا الوطن وتقدّمه.

إنّ الأردن اليوم لا يحتاج مزيداً من الولاءات الصغيرة، بل يحتاج إلى نجاحٍ كبيرٍ باسم الوطن — نجاحٍ لا يحتكره أحد، بل يشارك فيه الجميع تحت راية واحدة: العلم الأردني.