الأردن الذي نحبه جميعًا لا يُبنى بالتخوين ولا بتصنيف الآراء، بل يُبنى بالصدق وبالشجاعة في النقد وبالحرص على المصلحة الوطنية العليا. الخطر الحقيقي ليس في تعدد وجهات النظر، وإنما في ثقافة الاستبعاد التي تُغلق الأبواب بدل أن تفتحها. لقد قدّم الأردنيون عبر تاريخهم نموذجًا فريدًا في الانتماء والوفاء لوطنهم، فمن معان إلى إربد ومن الكرك إلى جرش ومن البادية إلى الأغوار ظل الأردني يضع مصلحة الوطن أولًا ويجعل من العطاء والتكافل هوية عملية تتجاوز الشعارات. هذا المخزون الشعبي هو القوة الحقيقية التي تحمي الدولة وتُحصِّنها من أي هزات.
إن النقد حين يُمارَس بروح وطنية يُصبح أداة بناء لا هدم، فالمواطن الذي يُسائل السياسات العامة لا يقل حُبًا لوطنه عن الذي يُصفق لها، بل إن المراجعة الصادقة بروح إيجابية هي سر استمرار الدول وازدهارها. الأردن ليس بحاجة إلى أصوات تُلغي بعضها بل إلى قلوب تعرف أن قوتنا في احترام الرأي الآخر والعمل معًا لمصلحة واحدة. المواطنة هنا ليست مجرد بطاقة تعريف بل عقد أخلاقي عميق يربط كل فرد بوطنه، أن تكون أردنيًا يعني أن تحترم تنوع مجتمعك وأن تفخر بجذورك وأصالتك وأن تُؤمن أن الغد لا يُصنع إلا بالتكاتف، فلا تعارض بين أن نُحب عشيرتنا وأن نخدم دولتنا ولا بين أن نَحمل خصوصيتنا الثقافية وأن نعيش مواطنة متساوية. الإصلاح في الأردن لم يكن يومًا شعارًا عابرًا بل مسارًا متواصلاً، وكل مرحلة من مسيرة الدولة كانت محطة لإعادة التفكير والتطوير، والنقد البنّاء للمؤسسات لا يُنقص من قيمتها بل يؤكد حرصنا على أن تبقى قوية وعصرية قادرة على الاستجابة لتحديات الزمن.
إن تعزيز القيم المشتركة يكون بالتأكيد عليها لأنها هي التي تجمع أبناء الوطن الواحد، مثل العدالة، والمساواة، والتسامح، والعمل الجماعي. وتعزيز روح الوفاء والانتماء يقطع الطريق على أولئك أصحاب الأجندات الخارجية الذين يعملون ضمن مجموعات تسعى لزعزعة الجبهة الداخلية للأردن ونشر الفتن وتوسيع الفجوة بين الشعب والقيادة. ولابد من الحفاظ على النسيج الاجتماعي الأردني لأن مغزى هذه القوى هو ضَرْبُ النسيج الاجتماعي الأردني الوطني واضعاف جبهته الداخلية، لكن الصحوة الوطنية للشباب الوطني الأردني سيكون لها الأثر الأكبر بصد هذه الأجندات الخاسرة المَدْحورة التي تَجُرُّ أذيال الخيبة والفشل.
الأردن ليس ملكًا لفئة دون أخرى بل هو بيتنا المشترك وهو أغنى من أن يُختزل في رؤية واحدة وأكبر من أن يُؤطر في خطاب ضيق، فلنُبعد أصابعنا عن الماضي المُثقَل باللوم ولنُوجّه عقولنا وطاقتنا نحو المستقبل الذي نريده معًا، مستقبل يقوم على الاحترام والعدالة وسيادة الدولة. وسيبقى الأردن بإرادة أبنائه وطنًا يُصغي لأصواتهم ويكبر بتضحياتهم ويزدهر بتنوعهم، فلنشكر الله على نعمة هذا الوطن ولنكن أوفياء له بالفعل قبل القول، فالأردن وطن للجميع ومستقبله لا يُكتب إلا بأيدي جميع أبنائه.