ساركوزي .. من "الإليزيه" إلى "لا سانتيه"
جمال القيسي
22-10-2025 10:56 AM
في فرنسا، لا يخاف الجهاز القضائي من الأسماء الكبيرة أو مراكز الأشخاص؛ فالقاضية التي أودعت نيكولا ساركوزي سجن لا سانتيه في باريس، هي ناطقة باسم الدولة التي سمحت له قبل عقدين أن يسكن قصر الإليزيه، لكنها لم تسمح له أن يسكن فوق القانون. خمس سنوات من السجن مقابل خمس سنوات في الإليزيه؛ بذلك تعيد العدالة الفرنسية ترتيب الحساب بين الحق والواجب؛ فتعاقب من نال السلطة بتمويل غير مشروع كي يدفع اليوم ثمنها الشرعي.
الحكم القضائي ليس انتقاما سياسيا، بل درسا مدنيا مكتمل الأركان في مبدأ "سيادة القانون". فرنسا في القرار لم تقل: "هذا رئيس سابق له مكانته"؛ بل قالت: "هذا مواطن مدان ومكانه السجن"! وهي عبارة تختصر المسافة بين الدولة التي تحكمها المؤسسات، وتلك التي يحكمها الأشخاص.
ساركوزي اصطحب معه إلى السجن كتابين للقراءة، ربما ليعوض ما فاته من وعيٍ كان يمكن أن يمنعه من الانزلاق نحو الفساد والمال الملوث؛ فكثير من السياسيين الفاسدين لا يقرأون إلا بعد أن تُغلق عليهم أبواب السجون، حينها تصبح القراءة رفاهية فاخرة وإن كانت متأخرة، وتصير القراءة، آيضا، مصدر تأمل وهروب من ذل النهاية.
في العالم العربي، ما يزال مبدأ سيادة القانون غائبا؛ فهو يبدأ عند المواطنين البسطاء ويتوقف عند المسؤولين الكبار والمتنفذين وأبناء الأكرمين. عندهم يتعطل القانون وتغلق الملفات بأحكام وقرارات لا تقنع حتى الأطفال، بينما في فرنسا، يزج القضاء بالرئيس في السجن لا لكونه عدوا للقانون؛ بل لأنه خالفه. تلك هي الفكرة الجوهرية بين الدول التي يحكمها القانون َوتلك التي تدار من الأشخاص؛ فحين تُصبح العدالة سلطة قائمة بذاتها، لا يجرؤ أحدٌ على أن يشتري طريقه إلى الإليزيه، ولا يضطر أحدٌ إلى أن يقرأ متأخرا داخل جدران لا سانتيه.