الهوية الوطنية: صخرة صمود الوطن في مواجهة العواصف
د. بركات النمر العبادي
22-10-2025 11:11 AM
في قلب هذا الوطن تتجذَّر الأرواح التي لم يَطْوِها الغياب، وتمرَّد التاريخ عليها، وحوَّلت دماء المُخلصين والتضحيات الصامتة كل حجر في هذه الأرض إلى علامة صمود. والوطن ليس مجرد حدود أو أسماء، بل هوية تتنفس في كل مواطن، عقد لا يُفَكُّ بالولاءات الضيقة ولا يُمَسُّ بالمصالح العابرة، ولا تذوب هويته في صراع الفئات والقبائل والأنانية العابرة. فالهوية الوطنية الأردنية هي الدرع الأخير، الدرع الذي يحمي الدولة حين تهتز الحسابات، وبدونها تُصبح كل الشعارات بلا معنى، وكل الكلام يُصبح عبثًا.
في أوقات العواصف والضغوط التي تَهُبُّ على الوطن من الداخل والخارج، يسطع في الذاكرة دور البُناة من آل هاشم، الذين حملوا الوطن على أكتافهم وفي المَهَج، ورسموا طريق الصمود بحكمة وشجاعة. إنهم حولوا التحديات إلى فُرَص، وحافظوا على الدولة متماسكة أمام كل عاصفة، يُعَلِّمون شعبهم أن الولاء للوطن هو العهد الأول والأخير، وأن الدفاع عن هويته وكرامته واجب مُقدَّس لا يُفَرَّط فيه. فالمغفور له الملك حسين، بحكمته وثباته، رسم درب الصمود في أصعب اللحظات، وأرسى قواعد الانتماء، وجعل من الوفاء للوطن منهج حياة. واليوم، يستمر الملك عبد الله الثاني في حمل الراية نفسها، مُحافظًا على الهوية الوطنية ومُحصِّنًا الدولة في وجه كل ضغط داخلي وخارجي، مؤكدًا أن الولاء للوطن فوق كل اعتبار، وأن الرجوع إلى الوراء نحو زمن الهدم والضَّعْف لن يكون إلا نُكوصًا عن التاريخ الذي صنعه الأجداد والمُخلصون من أبناء الأردن.
إن أعظم ما يواجه الأردن اليوم ليس فقط ضغوط السياسة ولا تحديات الاقتصاد، بل خطر ذوبان الهوية الوطنية في بحر الولاءات الفرعية والانقسامات الصغيرة، حين تُقدَّم المصالح الضيقة على الولاء الأكبر للوطن. فالحفاظ على الهوية الوطنية لا يكون بالشعارات الجوفاء، بل بالعمل اليومي، في التعليم، وفي الثقافة، وفي السلوك الفردي والجماعي، وفي الالتزام بالقانون وقيم العدالة والمساواة، لتبقى كل الولاءات الفرعية مُتفرِّعة من الولاء الأعظم: ولاء الوطن.
واليوم، والأردن يقف تحت ضغط هائل تتناوب عليه رياح الإقليم وعواصف الداخل، تكاد الظروف تهز ثوابت الدولة، لكن ذاكرة الوطن تقول لنا إن الأردن وُلِدَ من رحم الأزمات، وتصلَّب في قلب العواصف، ولم ينكسر لأن فيه شعبًا آمَنَ أن الدولة فكرة أكبر من مصالح الأفراد، وأن الوطن أمانة أثقل من نَزَواتهم. والهوية الوطنية اليوم هي السلاح الأخير، والدرع الأخير، فلا يمكن أن تنهار ما دام الشعب مُؤمنًا بها ومتمسكًا بها، ويحميها كل يوم بفكره ووعيه ودمه إذا لزم الأمر. والمحافظة عليها تتطلب صمودًا مُستمرًا، وعزمًا على عدم الانصياع لأي صوت يُغري بالعودة إلى الوراء، لأن الهوية الوطنية الأردنية ليست مجرد تاريخ، بل حاضر مُستمر ومستقبل مُشترك، وطريق لا يُبَدَّل بالولاءات الصغيرة ولا بالمصالح العابرة.
إن الحفاظ على الهوية الوطنية الأردنية، والوفاء لما بناه الأجداد، ليس خيارًا، بل واجب كل مواطن وعهد تاريخي أمام الأجيال القادمة، ليبقى الأردن حاضرًا في قلوب أبنائه، وطنًا واحدًا لا يُشترى ولا يُفقد، هوية تتحدى الصعاب، وصمودًا يُعَلِّمنا أن العودة إلى الوراء لن تُنقذ شيئًا، وأن الطريق الوحيد هو الأمام، بحماية الوطن وصَوْن كرامته وهويته.
إننا إذ نستعيد هذه الصورة، نُدرك أن صمود الأردن ليس صُدفة، ولا وجوده في أمان إلا بفضل الدماء التي رُوِيَت بها تربة الوطن، والوفاء الذي زُرِعَ في وِجدان الشعب، والقيادة الحكيمة التي صانت الهوية وعززت الانتماء، لتظل كل الأجيال القادمة مُتَّصلة بهذا الإرث، مُدركة أن الوطن أكبر من كل الاعتبارات، وأن الهوية الوطنية الأردنية هي النبض الذي لا يتوقف، مهما تعاظمت الرياح، ومهما حاول البعض الهرب نحو الوراء.
حمى الله الأردن وسدَّد على طريق الحق خُطى قيادته وشعبه.