محمد العطيات .. الغائب الحاضر
د. محمد بزبز الحياري
22-10-2025 11:06 PM
عام ثقيل مر على غيابه، لكني ما زلت أراه يتجول بساحة العين وبشارع الحمام وبالميدان وبوادي الاكراد وبدواوين السلط ومضافاتها وفي كل الامكنة التي كان يرتادها....
الكبار لا يموتون .....لا يموتون بابنائهم، ولا يموتون باعمالهم، ولا يموتون بسيرتهم العطرة وبإرثهم العظيم.
وٱقسم لكم انه وبعد عام من الغياب لا يخلو حديث وسمر بين الاصدقاء وبين العامة الا ويكون له نصيب منه ، سواء بحكمة او راي او بيت شعر، او حتى دعابة من دعاباته المتزنة والهادفة...
قريب من النفس ويتمتع بدماثة قل نظيرها، يهتم بك، ويشعرك ان مشكلتك هي مشكلته هو، فيتلمس طريقك عوضا عنك، ويزيل جميع الفوارق العمرية فتشعر وانت بحضرته انك وهو كنتما بصف مدرسي واحد ورحلاية مشتركة ولعبتما "الخماية والحذر بذر" معا بالازقة والحارات...
هو قاسم مشترك بين الجميع، مع الرجال في مقدمتهم ،ونصير للنساء وداعم لهن، تراه مع كبار السن، ويتجاذب اطراف الحديث مع الشباب ويدخل في صلب اهتماماتهم، ويحنو على الصغار مداعبا ومحفزا، وهو بين المسلمين والمسيحيين يكبر هنا ويترنم هناك، اذ دخلت مضافة النسور مثلا تجده هناك ، وتحسبه نسريا قح ويعتبر وجوده وسط الجمع مناسبة ليعرج في حديثه على نظام التربية والتعليم بالاردن بين الماضي والحاضر مقيما ومبديا وجهات نظر مبدعة وخلاقة من واقع خبرته الطويلة في هذا المجال،واذا وجدته بمضافة الدبابنة يستقبلك عندهم معزبا وموضحا لدور مسيحيي الشرق والاردن بشكل خاص في بناء الدولة والمحافظة على اللحمة الوطنية ودورهم بمواجهة المستعمر الاجنبي، وإذا كان بمضافة الحيارات تجده يشرح دور العشائر الاردنية بنشوء وبناء الدولة الاردنية وإلتفافها حول العرش، وبمضافة العطيات تجد الكل ملتف حوله وهو يوضح لهم أهمية العمل التطوعي والتكافل الاجتماعي فهو من رواده ولم يزل منخرطا به حتى آخر ايامه..، وهكذا تجده في كل المحافل فاعلا ومبادرا وايجابيا، ومؤمنا بأن العمل ثم العمل ثم العمل وكل من خندقه، هو السبيل الوحيد الذي يدفع بالامم للارتقاء وهو اساس التقدم والازدهار .
علمنا الحرف، والاهم انه علمنا لغة الحوار، فلا تشعر بالوقت وانت بحضرته فتختزل الدقيقة بلمحة والساعة بلحظة، فيهل عليك منهمرا متدفقا بكل ما طاب من علم وأدب، وشموخ وكبرياء، لا يخلو من التواضع الجم، وما عليك الا ان تنهل من هذا النبع الغزير ما استطعت لذلك سبيلا ،وما ان تفترقا فما هي الا لحظات حتى يبادر بالاتصال بك مطمئنا وداعيا لك بالتوفيق والسداد.
وقته دائما مُستثمر، ومشغول دائما،ففي لحظة تجلي يكتب قصيدة، وفي لحظة تفكر يبدأ برسم معالم وخطة كتاب جديد ، وفي لحظة قهر يكتب مقالا يبوح به بما يتلجلج في صدره تجاه قضية ما، وعندما يفرغ من ذلك كله يعود ربا لٱسرة ومزارعا يرعى شجيراته، وأجزم ان الشجر يعرفه ويهلي به عندما يقبل عليه فيزهر ويرعن...
اما عشقه للسلط واحيائها وأريافها وعيونها، فهي قصة ٱخرى ممتدة على طول سني عمره ، ويضيق المقام عن سرد تفاصيلها لكن يمكن اختزالها في هذا البيت من الشعر الذي نظمة وهو يتوضأ من ينابيع واد السلط الزلال.
هل شاء ربك ان يكون بأرضنا
نبع يضاهي كوثر الرضوان
فاختار واد السلط فردوس له
ليكون برهان لخلد ثاني
الدكتور محمد العطيات ابو خلدون، الاديب والمثقف والشاعر والمفكر، الغائب الحاضر عليك رحمة من الله وشآبيب مغفرته تتنزل على روحك الطاهرة انه قريب مجيب الدعاء..