من الاحتجاج إلى الإنجاز .. الشباب المغربي في المشهد الوطني
د. آمال جبور
23-10-2025 12:13 PM
استوقفني ما جسّده فوز المغرب بكأس العالم للشباب 2025 في تشيلي من مشهدين مختلفين داخل أوساط جيل الشباب المغربي: الأول تمثّل في احتجاجاتهم قبل أسابيع على حجم الاستثمارات الرياضية المخصّصة للتحضيرات لكأس العالم 2030، فيما عُرف باحتجاجات “جيل Z”، والثاني في مظاهر الفخر والاحتفاء بالإنجاز الرياضي الذي حققه المنتخب الشاب."
الاستقبال الحاشد لفريق الشباب في الرباط أمس أظهر اعترافًا ضمنيًا من الشباب بأهمية الرياضة، رغم احتجاجاتهم السابقة على حجم الاستثمارات، مؤكّدًا قيمة الإنجاز الرياضي في هويتهم الوطنية. وبين هذين المشهدين، يبدو أن جيل Z يواجه صراعًا بين النقد والتقدير، بينما تمضي الدولة برؤيتها لما سمّاه الملك محمد السادس “المغرب الصاعد”. فالاستثمار في الرياضة، رغم احتجاجات الشباب على توجيه الموارد للتعليم والصحة، يُنظر إليه كرافعة للتنمية الوطنية.
ورغم أن احتجاجات الشباب وُصفت أحيانًا بالحقيقية وأحيانًا بالموجّهة رقميًا، نجحت الدولة في احتوائها ضمن رؤيتها البعيدة المدى، فجاء الإنجاز الرياضي ليعزز موقفها ويؤكد أن الاستثمار في الرياضة جزء من مشروع وطني متوازن بين مطالب اليوم ومتطلبات المستقبل.
وبالتأكيد، لا يقلل هذا الإنجاز من أحقية الشباب في مطالبهم المعيشية، بل يؤكد ضرورة دمج تطلعاتهم الاجتماعية مع مشاريع التنمية الشاملة؛ فبناء الملاعب وتجهيز البنى التحتية لاستضافة كأس العالم 2030 يجب أن يتوازى مع بناء المدارس والمستشفيات والمشاريع الكبرى.
بهذا المعنى، فإن مظاهر الفرح والاستقبال الحاشد للمنتخب الشاب لا تتناقض مع احتجاجات “جيل Z” السابقة، بل تكملها: الأولى تعكس فخر الانتماء الوطني، والثانية تعبّر عن توقّهم للعدالة الاجتماعية. وبين هذين المشهدين، يُدعى الشباب المغربي إلى إعادة ترتيب أولويات النقاش العام ومراجعة الرؤية الاستراتيجية للدولة لمستقبل “المغرب الصاعد”.
بالتالي، تطرح هذه اللحظة أمام الشباب أسئلة حول أهمية مشاريع الدولة الكبرى، مثل ميناء الداخلة، والمبادرات على الأطلسي، وخط الغاز المغربي-النيجيري، وتطوير السكك والقطار فائق السرعة، واستعدادات كأس العالم 2030. فهذه المشاريع تهدف إلى تحسين المعيشة وخلق فرص عمل، ودعم الاقتصاد والسياحة والحياة الاجتماعية داخل المغرب وفي الإقليم. وربما لا يدرك بعض الشباب اليوم أبعاد هذه الرؤية، لكنها تمثل منظورًا استراتيجيًا يوازن بين الاستثمار في الإنسان والبنية التحتية لبناء مستقبل مستدام.
وعليه، فإن مظاهر الاحتجاج، التي تبلغ نحو 600 مظاهرة شهرية حسب المصادر الرسمية، تعكس ثقافة الدولة المغربية المنفتحة على التعبير الشعبي، والتي تمنح الشارع هامشًا واسعًا للتفاعل مع القضايا الوطنية والعربية والإسلامية، كما بدا في التظاهرات التي عمّت مدن المملكة رفضًا لحرب الإبادة على غزة، ضمن إطار من الانضباط واحترام الأمن. وهذه الخصوصية تميز المغرب عن دول تفتقر إلى الرؤية والمشاريع وتغيب عنها مساحة آمنة للتعبير، في الوقت الذي يواصل فيه تعزيز مكتسباته الوطنية في ملف الصحراء.