لم تكتفِ قناة العربية بتأكيد ريادتها بين القنوات العربية، بل تجاوزت ذلك لتتفوّق حتى على شاشات التلفزة الأردنية من خلال برنامجها المميز “معالم من الأردن”. هذا العمل الإعلامي الراقي نجح في تقديم صورة أصيلة ومشرقة عن الأردن — أرض التاريخ والعراقة — عبر سلسلة من الحلقات التي جابت الأرياف والبوادي والمدن والآثار، واستعرضت تفاصيل التراث الأردني بعمقٍ واحترافيةٍ لافتة.

كل حلقة من هذا البرنامج كانت رحلة وجدانية في ذاكرة المكان والإنسان الأردني، من الكرك إلى عجلون، ومن وادي رم إلى السلط ومادبا، حيث امتزجت الصورة الأخّاذة بالكلمة الهادفة والموسيقى التي تنبض بالانتماء.

وقد أعاد هذا العمل إلى الذاكرة بدايات برنامج “يسعد صباحك” قبل نحو خمسةٍ وعشرين عامًا، ذلك الصوت الأردني الدافئ الذي خاطب وجدان الناس وعرّف العالم بجمال الوطن الصغير بحجمه، الكبير بتاريخه وإنسانه. أتذكّر عندما كنت في الدوحة، كيف كان المشاهد القطري والعربي من مختلف الدول يتابع حلقات البرنامج بشغف، ويتحدث بإعجاب عن الهوية الأردنية التي تجلّت في كل لقطة وزاوية من هذا العمل.

ولا يمكن في هذا السياق إلا أن نحيّي المخرجة المبدعة المرحومة فكتوريا عميش، التي شكّلت علامة فارقة في الإعلام الأردني من خلال بصمتها الأصيلة في هذا النوع من البرامج. فقد كان كل تفصيل في “يسعد صباحك” يحمل روح الأردن الشعبية وهويته الإنسانية، بعيدًا عن النمط التقليدي للبرامج الحكومية؛ إذ كان برنامجًا من الشعب وإليه، يروي قصص الناس البسطاء وإنجازاتهم، ويقدّم الأردن كما هو في واقعه النقي الجميل.

أما برنامج “معالم من الأردن”، فقد أعاد اليوم هذا الألق بلمسة عربية راقية، ليقدّم الأردن الحقيقي كما لم يُقدَّم من قبل — الأردن الذي يجمع بين الأصالة والحداثة، بين الصحراء والجبال، بين التراث العريق والرؤية الحديثة.

وتُرفع التحية هنا إلى فريق العمل كافة، من المخرج إلى المصور، وإلى الرحّالة والمذيع السعودي سلطان بن لافي المرواني، الذي أبدع في تقديم الحلقات بروحٍ محبةٍ للأردن وأهله، وإلى إدارة قناة العربية التي أثبتت أن الإعلام العربي، حين يؤمن برسالته، يستطيع أن يكون جسرًا صادقًا للتواصل بين الشعوب وسفيرًا للجمال والهوية.

ولعل “معالم من الأردن” يشكّل اليوم رسالة واضحة إلى التلفزيون الأردني وقنوات رؤيا وعمان TV وغيرها من القنوات المحلية، تدعوها إلى إعادة التفكير في كيفية إحياء التراث الأردني وتقديم الهوية الوطنية بروح جماهيرية قريبة من الناس، تُعبّر عنهم وتحتفي بإنجازاتهم وتاريخهم.