facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أمانة عمّان .. مرّة اخرى


م. عامر البشير
28-10-2025 10:59 AM

إعلام القرار (الجزء الثاني)
حين تُثقل اختام امانة عمان ميزان العدالة

ما بين نصٍّ وُضع لتنظيم العمران، وإدارةٍ تُسيء استخدامه، صيغة طارئة ادخلتها ادارة الامانة -باستعجال ونهج هجين- بما يسمّى «إعلام القرار» في ادبيات الامانة من أداةٍ للإنصاف إلى وسيلةٍ للجباية، وانحراف جوهري عن المقاصد القانونية الاساسية، لتنشأ شبهةُ خرقٍ دستوريٍّ تمسّ جوهر العلاقة بين الدولة ومواطنيها، وتستدعي مراجعةً أمام المحكمة الدستورية دفاعًا عن روح العدالة لا عن الانحراف فقط في الاجراءات القانونية، لانّ الهجين إجراء اداري يفتقد للشرعية ويهيمن على اي اجراء قانوني مستقرّ.

المشكلة ليست في غياب الوعي، بل في صمم من يفترض بهم أن يسمعوا ويستجيبوا، فالقضية واضحة كوضوح الشمس؛ شبهةُ خرقٍ دستوريٍّ بيّنٍ فيما تمارسه أمانة عمّان الكبرى، التي اختارت — بدافع الغرور وبعد ان اخذتها العزّة بالإثم — أن تُحوِّل ما يُسمّى بـ«إعلام القرار» من وسيلةٍ لتحقيق العدالة إلى أداةٍ للتغطية على إخفاقات مالية وادارية، وغياب الرؤية الآنية والمستقبلية لاصلاح ماليتها العامة ومديونيتها المرتفعة.

تحوّل هذا الإجراء الإداريّ منزوع الأساس القانوني، مختلٍّ في المبدأ والإجراء، يَظلم بدل أن يُنصف، ويُعاقب بدل أن يُصلح، لكن السؤال الأعمق: أين هي “حكومات الظلّ” مما يحدث؟ وأين رئيس الوزراء، الذي بصفته وزير البلديات المسؤول الاول والاخير رقابياً، يتحمّل المسؤولية المباشرة عن أداء الأمانة؟

إنّ عليه أن يُحيل هذا الملفّ برمّته إلى المحكمة الدستورية، فالقضية تحمل في جوهرها شبهةً دستوريةً واضحة، تُجسّد ذروة الظلم والحيف بحقّ المواطنين والمستثمرين على حدّ سواء.

تمهيد: القرار في فلسفة الدولة

في الدولة الحديثة، القرار ليس مجرّد إجراءٍ إداريٍّ يُتّخذ خلف الأبواب المغلقة، ولا «إعلام القرار» مجرّد ورقةٍ تُعلّق على الجدران لتقول إنّ أمرًا ما قد صدر، او تبليغ الكتروني لكل صاحب حاجة او مشروع يدخل على المنصة الالكترونية التي اعدتها امانة عمان لهذه الغاية ، ليتفاجىء فيه.

القرار، في جوهره، لحظةٌ فلسفية تكشف طبيعة العلاقة بين مؤسسات الدولة ومجتمعها؛ بين من يُصدر القرار ومن يعيش أثره ومن يدفع ثمنه، بين من يرى السلطة وسيلةً للتنظيم، ومن يمارسها أداةً للهيمنة.

فكلّ قرارٍ إداريٍّ هو مرآةٌ تعكس روح النظام الذي أنشأه، فإذا فُقدت تلك الروح، أصبح «إعلام القرار» واجهةً بلا عمق، وصوتًا بلا ضمير.

لقد أُنشئ «إعلام القرار» ليكون جسرًا شفافًا بين الدولة ومواطنيها، لا سيفاً مسلّطاً فوق رؤوسهم، وكان يُفترض أن يُعبّر عن نيةٍ صادقةٍ تحترم العقول وتصون العدالة.

لكن ما نراه اليوم هو النقيض تمامًا — ورقةٌ وُلدت لتُعلن العدالة فإذا بها تُخفيها، وتتحوّل من وسيلةِ تفسيرٍ إلى ذريعةِ تبرير، فتختلّ الموازنة بين النصّ والضمير.

حين تُثقل الأختام ميزان العدالة

عندما تصبح الأختام أثقل من ميزان العدالة، يفقد القرار الإداريّ معناه كأداةٍ للإنصاف، ويتحوّل إلى قناعٍ للجباية.

في زمنٍ لم تعد فيه الأوراق تُدوّن الحقيقة، بل تُكرّس السيطرة، وُلد ما يُسمّى «إعلام القرار» — وثيقةٌ مختومةٌ تصدر بلا سندٍ قانونيّ، تُدين بلا قاضٍ، وتُنفَّذ بلا ضمير، ليست هي مجرّد «إجراءات» كما يُروّج البعض، بل هي شهادةُ وفاةٍ صامتةٍ لروح العدالة، وإعلانٌ بانتصار البيروقراطية الجبائية على الإنسان، فالشرعية ليست حبرًا على ورق، بل روحٌ تُستمدّ من الدستور ومن الحقوق التي كفلها الدستور الأردني في المحاكمة العادلة، ومن حقّ المواطن في الدفاع والاستئناف، وحين تُسلب هذه الأركان، ينهار القرار من عليائه الأخلاقيّ، ويغدو مجرّد ممارسةٍ للسلطة بلا روحٍ ويغيّب فيها الضمير.

لقد تآكل مفهوم الخدمة العامّة في الإدارة المحلية، وحلّ محلّه جهازُ جبايةٍ مغلّفٌ بلغةٍ قانونيةٍ جامدة، فالعدالة، في جوهرها، توازنٌ بين الحقّ والقوّة، وعندما يميل الميزان لصالح الأختام والأرقام، تنحدر الدولة من موقع الحارس إلى موقع الجابي، ومن سلطةٍ مشروعةٍ إلى حكمٍ متعسّف.

ورقةٌ بلا روح… وعدالةٌ بلا وجه

«إعلام القرار» كما يُمارَس اليوم ليس إعلامًا، بل حُكمٌ مسبقٌ يُلقى بلا محكمةٍ ولا قاضٍ، يصل إلى المواطن كفاتورةٍ ماليةٍ جافّة، بلا ضبطٍ لمخالفة ولا محضرٍ لإثبات، بل رقمٌ ماليٌّ يُسجّل ببرودٍ إلكترونيّ، يفرض عشراتٍ أو مئات الآلاف من الدنانير دون أن يعرف مَن يُعاقَب أو لماذا.

يتفاجأ بها المواطن المتهمّ كذمّة مالية مستحقّة للامانة، قبل أن تثبت إدانته، عندما يدخل إلى المنصة الإلكترونية لتقديم طلب، بغضّ النظر إن كان طلبًا بسيطًا مثل إزالة مخلفات من أمام باب منزله سقطت بالخطأ من طاحنة الامانة أثناء جمع النفايات، أو طلبًا لترخيص استثماراً بعشرات الملايين من دوائر الابنية.

لِنكتشف أنّ النظام الإلكتروني المزعوم — كلمة حقٍّ أريد بها باطل — تحوّل إلى أداةٍ للعقاب بدل الإصلاح، تحوّلت الورقة من وسيلةٍ لتنظيم العلاقة بين المواطن والإدارة إلى سوطٍ إداريٍّ يُرفع فوق رؤوس الناس؛ يُعاقَب المالك لمجرّد الملكية، ويُحاسَب الجار لقربه من الجار الذي تسبب بالمخالفة لا لذنبه، وهنا تتجلّى الجباية المقنّعة بوجه العدالة، إذ يُستخدم النصّ الإداريّ لسدّ عجز خزائن المالية لا لتصحيح الأخطاء.

ما بين الإفصاح والإخفاء

يبدو «إعلام القرار» في ظاهره خطوةً تنظيميةً ضرورية، لكنه في التطبيق أداةُ إخفاءٍ لا إفصاح، فحين يُعلن القرار بلغةٍ غامضةٍ أو بوسائلَ تُقصي المواطن عن فهم أثره، يصبح «إعلام القرار» ستارًا لا نافذة، المؤسسة التي تُعلن لتُفسّر تختلف عن تلك التي تُعلن لتُبرّر؛ الأولى تبني الثقة، والثانية تزرع الخوف، هناك فرق في النية، بين الشفافية والتعمية، فالمؤسسة التي تُشرك المواطن قبل القرار تُظهر احترامها لوعيه، لأن المشاركة تسبق الطاعة، والوعي هو أساس الشرعية لا نتيجتها.

فلسفة القرار ومعناه

في الفكر الإداري الحديث، لا يُقاس القرار بصرامته، بل بالعدالة الكامنة في مساره، فالقرار العادل ليس ما يُنفَّذ دون اعتراض، بل ما يُناقَش قبل أن يُنفَّذ، ويُمنح المتأثّرون به حقّ الفهم والمشاركة والاعتراض.

«إعلام القرار» الحقيقي ليس إشعارًا إلكترونيًا ولا إعلانًا في الجريدة الرسمية، بل رسالة من الدولة إلى مواطنيها تقول فيها:
“نحن لا نخشى الشرح، ولا نكره المساءلة”

انحراف إداريّ عن مقاصد العدالة

حين تُفرض العقوبة بلا جريمة، ويُجبى المال بلا قانون، وتُنفَّذ القرارات بلا محاكمة، فنحن أمام انحرافٍ إداريٍّ كامل.

الجريمة هنا ليست ضدّ الأفراد، بل ضدّ مبدأ العدالة ذاته، فقانونٌ يُستخدم لمعاقبة الأبرياء يفقد شرعيته الأخلاقية، وإدارةٌ تمارس السلطة بلا رقابة تفقد حقّها في الحكم، وحين تُغلَق أبواب الطعن أو تُعقّد عمدًا، وتترك المجال لمقاولي المعاملات فرصة ذهبية لاقتناص الفرص لجني منافع من هذا التخبّط، ليتسللوا بالظلام ليقتنصوا قطاع واسع من المظلومين، بسبب البيرقراطية الجبائية الجائرة والخوف من انتقام الامانة، عندها يصبح اللجوء إلى القضاء الدستوري، واجبًا وطنيًا لا حقًا شخصيًا فقط، لأن الدفاع عن القانون هو دفاعٌ عن الدولة وقطع الطريق على الوسطاء المتاجرين بحقوق المظلومين.

قصصٌ من قلب المعاناة

ليست هذه أمثلةً نظرية، بل وقائع من حياة أشخاص ومستثمرين:

* مواطن بنى مظلّة قرميد صغيرة فوق باب منزله لا تتجاوز عشرة أمتار مربعة، فرفض النظام الإلكتروني قبول معاملته قبل دفع الغرامة الباهظة مقدمًا، علمًا أن المظلّة قابلة للترخيص، وترخيصها يشكّل اقل من 5% من المبلغ الذي تمّ ترصيده بالنظام الإلكتروني بعد ان سُمّي إعلام قرار.

* أرضٌ خالية بدون بناء، قام مدير احدى مناطق امانة عمان، رصد نقلة مخلّفات سيراميك فيها، فُرض عليها غرامة مقدارها مئتا ألف دينار بسبب أعمال صيانة حمّاماتٍ قام بها جارٌ بعيد، دون ان يتحقق من كتب اعلام القرار ان القطعة لا يوجد فيها بناء ولا حمامات حتى يتحمل هكذا قرار، ليكتشف المالك المبلغ المجحف حين دخل المنصة الإلكترونية لترخيص مشروعٍ استثماريّ، فقرّر إلغاء المشروع بالكامل.

* تماس كهربائي بسيط أدّى إلى غرامة قدرها عشرون ألف دينار بعد شكوى جارٍ بعيد متنفّذ بالرّغم انه غير متضرر، دون تحقق محررها من كون الصيانة لا تحتمل التاجيل، كانت ضمن ساعات العمل المسموح بها.

* مالك فندق عوقب وأُغلقت جميع المحالّ التابعة له وحرم من تجديد اذن الاشغال وبالتالي كل رخص المهن المرتبطة بتجديد اذن الاشغال، بسبب مخالفة مستأجرٍ واحد يشترك معه في إذن الإشغال، وفرض عليه الكترونيا بمبلغ خمسون الف دينار رغم أن المالك هو المتضرر، ورغم إزالة المخالفة قبل انتهاء التقاضي.

هذه الوقائع ليست حوادث معزولة، بل شواهد على انحراف الضمير الإداريّ، عن المقاصد الاساسية القانونية، حيث يغيب المنطق وتُمحى الرحمة.

العدالة بين النصّ والضمير

العدالة لا تسكن في النصّ، بل في الضمير الذي يُفعّله، وحين تفقد الإدارة ضميرها، تتحوّل إلى آلةٍ باردةٍ تطحن المواطنين والمستثمرين باسم النظام المزعوم.

لكلّ إنسانٍ الحقّ أن يُسأل قبل أن يُدان، وأن يسبق التحقيق العقوبة لا أن يليها، وعندما يُسلب هذا الحقّ، تتحوّل علاقة المواطن بالدولة من ثقةٍ إلى خصومة، ومن انتماءٍ إلى خوف.

طريق الإصلاح

الإصلاح يبدأ بالاعتراف — الاعتراف بأن «إعلام القرار» انحرف عن مقاصدهِ وغايته الأصلية، وانه اجراء اداري يستتر بعباءة القانون ولكنّه مفرغ من المضمون، ويجب إعادة بنائه قانونيًا ودستوريًا ليستعيد التوازن بين القانون والعدالة، نحتاج إلى مراجعةٍ حكوميةٍ صادقة تُعيد لهذه الأداة روحها القانونية والأخلاقية، فإحالة ملف «إعلام القرار» إلى المحكمة الدستورية ليست خيارًا سياسيًا، بل واجبٌ دستوريّ.
لأن فرض الغرامات دون نصٍّ صريحٍ يُخالف المادة (6) من الدستور الأردني التي تنص على:

«لا جريمة ولا عقوبة إلا بنصّ في القانون.»

وبالقياس عليه، هناك مثالب عديدة باجراءات تبليغة وحرمان المفاجيء به الكترونيا من الاعتراض، بأن لا غرامة ولا عقوبة إدارية دون أساسٍ قانونيّ واضح ونافذ، وكلّ ما يخالف ذلك قرارٌ وُلد من العدم لا يُنشئ أثرًا ولا يُرتّب التزامًا.

نداء إلى دولة رئيس الوزراء

إنّ دولة رئيس الوزراء، بصفته الوزير المسؤول عن أمانة عمّان الكبرى، يتحمّل اليوم مسؤوليةً تاريخية لتصويب هذا المسار.

الواجب الوطني والأخلاقي يقتضي إحالة هذا الملف إلى المحكمة الدستورية للفصل في مشروعيته وحدوده، حتى لا تُذكر حكومته على أنها سمحت بسابقةٍ تنقض الدستور نصًا وروحًا.

فالسكوت عن هذا الانحراف لا يُدين الأمانة وحدها، بل يمسّ كرامة الدولة ذاتها.

فاحترام الدستور ليس إجراءً إداريًا، بل قسمٌ أخلاقي أمام جلالة الملك "حفظه الله" أولًا وأمام الشعب ثانيًا.

خاتمة: حين يُستعاد ضمير القرار

العدالة لا تُبنى بالحبر ولا تُصان بالأختام، بل تُحفظ بالوعي وباحترام كرامة الإنسان أمام القانون، وحين تتحوّل الإدارة من خصمٍ إلى شريك، ومن جابٍ إلى خادم، تستعيد الدولة معناها الحقيقيّ — دولةٌ تُعلّم مواطنيها أن القانون وُجد ليحمي لا ليعاقب، إن إحالة ملف «إعلام القرار» إلى المراجعة الدستورية ليست خطوةً إجرائية، بل استعادةٌ لضمير الدولة الإداريّ.

أمّا تجاهلها، فهو إعلانٌ صامت بأن العدالة قد انهارت تحت ثقل الأختام.

“هذا المقال يأتي في إطار نقدٍ إصلاحيٍّ قانونيٍّ هدفه تصويب الممارسات الإدارية بما ينسجم مع أحكام الدستور وروح العدالة، وجميع الأمثلة المذكورة مستمدة من وقائع عامة حقيقية لتوضيح الأثر الإداري ولا تستهدف أشخاصًا بعينهم.”

ولهذا اقتضى التنويه





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :