الأردن الذي لم يتكئ على أحد لكنهم اتكأوا عليه
هزاع البراري
30-10-2025 12:28 AM
الأردن الذي لم يتكئ على أحد لكنهم اتكأوا عليه
هو ابن الزمن الصعب، قدره أن يرتوي من الشدائد فيشتد، وأن تتكالب عليه نوائب الإقليم وتلفحه نيران الحروب لكنه يزداد منعة وقوة ورسوخا، إنه الأردن يمضى علوا رغم مؤامرات تحاك منذ فجر الدولة، يواصل المسير والبناء غير عابئ بفوهات التشكيك والكيد والتجني والنكران، قليل ماؤه وشحيح خبزه، إلا أنه روى عطاشى وأطعم جوعى وأجار الدخيل وأغاث الملهوف، وأسكن الطمأنينة في قلوب الخائفين المستجيرين به من ظلم وجور وجوع وحرب، هو الأردن الذي لم يتكئ على أحد لكنهم اتكأوا عليه، ثم استكثروا عليه رسوخ قدمه وعلو هامته.
لم تفارق التحديات والمنعطفات الصعبة تاريخ الأردن الحديث، فبعض قوى الداخل أداة بيد للخارج، وكثير من الخارج طامح وطامع ويحيك المكائد كبيرها وصغيرها، وإقليم ملبد بالأحداث الجسام وحروب لا تنطفئ نيرانها، وأبواق ناعقة بالخراب والتشكيك وصناعة التهم، كثير منهم تفيأ أمنها وأكل من قمحها وشرب من ينابيعها، لكنه الأردن كما أن قدره توأم الصعاب والشدائد، قدره أيضا أن يخرج كل مرة أشد بأسا وأعلى هامة وأعز نفسا وكرامة، إنه درس فريد للأمم وأنموذج لا يشبه إلا نفسه، ففي أحلك الظروف وأقساها، واصل مسيرة البناء والتحديث، ولم يتذرع بمرحلة قاسية ولم يؤجل الدولة بحثا عن مناخ إقليمي أفضل.
خطاب العرش الملكي قبل أيام كشف وبشكل جلي عن قوة الأردن، وعن اشتداد عزيمته مع اشتداد المحن، فالمتعمق في الخطاب وتجلياته وأبعاده، واتساق كل ذلك من نبرة الخطاب العالية، وقوة الملك وصلابة مواقفه، مقدرته على قيادة السفينة إلى شواطئ الآمان وسط عواصف هوجاء، وألسنة متآمرة خائنة، وقوى ساعية إلى مآربها من خلالنا، من يتأمل كل ذلك سيلمس بل سيتأكد أن الأردن اليوم أقوى وأكثر حصانة من أي وقت مضى، وأن كل ما حدث ويحدث قد زاد الأردنيين إيمانا بوطنهم وقيادتهم، وفي الوقت ذاته تجذرت قدرة الأردن على الاعتماد على الذات، والنظر بثقة أكثر نحو المستقبل رغم صعوبات الحاضر وتحديات الأيام القادمة.
اليوم ندرك أكثر من أي وقت سابق مكامن قوة الأردن، والتي تتجلى في شرعيته وتاريخه وتماسك بنيته ونصاعة مواقفه وإخلاصه المستمر لنهجه ومبادئه، وسعيه الدؤوب لحياة أفضل ومستقبل مزدهر، دون أن يتخلى عن مواقفه تجاه القضايا العربية العادلة وجوهرها القضية الفلسطينية، والأمن والاستقرار العربي من المحيط إلى الخليج، اليوم نعي أكثر حكمة القيادة وحنكتها وقدرتها على صناعة الفارق التاريخي، وتعميق الوزن النوعي للأردن، فهو نقطة الارتكاز في الشرق الأوسط، نقطة مركزية يتكؤون عليها حتما في المنعطفات الحادة، ولا يضيرنا لو تنكر البعض منها حين أضاع البوصلة، فالبلدان القوية تمضي، أما سقط المتاع فتأخذه الريح الجافة، فلا هو مطر ولا هو مستقر، حفظ الله الأردن.
"الرأي"