حرب لم تنتهِ .. وقف القتال بين الضرورة والعجز
سامي شريم
30-10-2025 01:08 AM
المشهد بعد توقف الحرب الأخيرة في المنطقة يعكس واقعا معقدا ومليئا بالتناقضات والنتائج غير الحاسمة فالمفاجآت التي رافقت الأحداث من بدايتها حتى إعلان وقف القتال لم تفرز انتصارا حقيقيا لأي طرف لا أمريكا ولا إسرائيل استطاعتا إسقاط النظام الإيراني ولا فرض شروطهما عليه ولم تتمكنا من تحقيق ردع في البحر الأحمر مع اليمن ولا إخضاع المقاومة في غزة أو لبنان رغم حجم الدمار والضحايا الذي تجاوز عشرات الآلاف الحرب توقفت لكنها لم تنته فالأشكال الأخرى من الصراع ما زالت مستمرة في صورة غارات محدودة وعمليات استخبارية وحروب سيبرانية ومعارك ضغط سياسي واقتصادي.
في الجوهر كان وقف الحرب ضرورة أمريكية إسرائيلية قبل أن يكون خيارا استراتيجيا إذ أدركت واشنطن أن استمرار حرب الإبادة في غزة التي قتلت الأطفال والنساء ودمرت المستشفيات والمدارس أدى إلى تحول جذري في الرأي العام الغربي والأمريكي خصوصا وبدأت موجة رفض واسعة داخل المجتمع الأمريكي انعكست على الكونغرس وعلى المزاج الانتخابي مع اقتراب استحقاقات انتخابية حساسة بالنسبة لترامب الذي وجد نفسه مجبرا على فرض وقف إطلاق النار على نتنياهو حفاظا على ما تبقى من صورة أمريكا أمام العالم ولتفادي خسارة دعم داخلي لإسرائيل لا يمكن تعويضه.
في المقابل حاول نتنياهو ترويج صورة نصر زائف أمام الكنيست فادعى أن إسرائيل حققت أهدافها ومنعت هزيمتها الكبرى لكنه اضطر إلى تغيير خطابه من الحديث عن الانتصار إلى الحديث عن منع الهزيمة وأعلن تسمية جديدة لحربه سماها حرب النهضة مدعيا أنه أنقذ إسرائيل من خطر الزوال الذي كانت تلوح به إيران والمقاومة في غزة ولبنان غير أن الداخل الإسرائيلي لم يبتلع هذه الرواية إذ يعلم الجميع أن طوفان الأقصى لم يكن نتيجة خطة تنسيقية شاملة بل فعل مقاوم مفاجئ نابع من تراكم الغضب والحصار وأن الردود من لبنان واليمن وإيران كانت محدودة في إطار الردع ولم تصل إلى مستوى الحرب الشاملة.
سوريا خرجت من محور المقاومة وانكفأت على أزماتها الداخلية بينما تعزز حضور اليمن كفاعل إقليمي مستقل يهدد المصالح الإسرائيلية والأمريكية في البحر الأحمر أما إيران فخرجت من المواجهة أكثر تماسكا سياسيا رغم ما تكبدته من استهداف أمني وإلكتروني وفي غزة أثبتت المقاومة قدرتها على الصمود والحفاظ على سلاحها رغم الكلفة الإنسانية الفادحة أما لبنان فدفع ثمنا باهظا في الأرواح والبنى التحتية دون أن تنكسر إرادة مقاومته.
التحول الأبرز الذي كشفته الحرب هو تغير الموقف الغربي إذ أصبح الرأي العام الأوروبي والأمريكي للمرة الأولى خارج معادلة الدعم المطلق لإسرائيل فقد أظهرت مشاهد الدمار والمجازر في غزة الوجه الحقيقي للحرب وأجبرت كثيرين على إعادة النظر في خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي طالما استخدم لتبرير العدوان.
إن توقف الحرب لم يكن تتويجا لانتصار بل استجابة حتمية لتوازن جديد في القوى فإسرائيل المنهكة والمستنزفة فقدت قدرة المبادرة والمفاجأة وأمريكا الغارقة في أزماتها الداخلية لم تعد قادرة على تغطية حرب طويلة الأمد ففرضت الضرورة السياسية والاقتصادية وقف القتال على أمل تثبيت وضع مؤقت يعيد ترتيب الأوراق لكن الواقع يثبت أن جذور الصراع ما زالت قائمة وأن المنطقة تقف على فوهة جولة جديدة لن تكون كسابقاتها لأن موازين الردع تغيرت والمقاومة خرجت من الحرب رغم جراحها أكثر تماسكا وإصرارا على البقاء.