متغيرات مهمة في المشهد السياسي الفلسطيني
أ.د أحمد بطَّاح
30-10-2025 01:40 PM
لعلّنا لا نبالغ إذا قلنا بأنّ الوضع السياسي الفلسطيني الحالي يشهد متغيرات مهمة سوف يكون لها ما بعدها بالتأكيد وهي متغيرات تتعلق بالوضع الفلسطيني نَفْسِه، كما تتعلق بالوضع العربي المتصل بالضرورة بالوضع الفلسطيني، وبالوضع الدولي الذي ينعكس بشكل أو بآخر على الوضع الفلسطيني، ويمكن رصد هذه المتغيرات على النحو الآتي:
أولاً: فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني نَفْسِه:
من المتوقع أنّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في طريقها إلى الانتهاء وفقاً لخطة ترامب، ومن المتوقع أيضاً أنّ من نتائج تطبيق هذه الخطة سوف يكون نزع سلاح المقاومة بصورة أو بأخرى، أو على الأقل تحجيم دوره إلى الحد الأقصى، الأمر الذي يعني ببساطة أن بديل "المقاومة المسلحة" للتخلص من الاحتلال الإسرائيلي لن يكون ذا قيمة حقيقية مؤثرة (Makes A difference) الأمر الذي يترك المجال واسعاً للبديل السياسي أو الدبلوماسي الذي تبنته السلطة الوطنية الفلسطينية ومن ورائها فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ولكن المشكلة الكبرى فيما يتعلق بهذا البديل أنه مرفوض إسرائيلياً وأمريكياً فنتنياهو وضع نصب عينيه القضاء على "حل الدولتين"، منذ أمد بعيد وصرح فيما يتعلق بقطاع غزة (لا فتحستان، ولا حماسستان!)، وغني عن القول أنّ الإدارة الأمريكية متماهية مع إسرائيل في هذا الشأن.
ثانياً: فيما يتعلق بالوضع العربي:
وفيما يتعلق بهذا الوضع يمكن ملاحظة ثلاثة أمور مهمة: أولها قدرة الدول العربية وبالذات مصر وقطر كدول وسيطة في الدفاع عن وجهة النظر الفلسطينية اثناء تنفيذ خطة ترامب للسلام في غزة وبخاصة فيما يتعلق بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وثانيها إصرار المملكة العربية السعودية على عدم اللحاق بقطار التطبيع قبل قيام الدولة الفلسطينية، وثالثها جدية الدول المنطوية تحت الاتفاقيات الإبراهيمية في تعليق هذه الاتفاقيات إذا ما أقدمت على ضم الضفة الغربية. إنّ الدول العربية تملك تأثيراً حقيقياً على مآلات القضية الفلسطينية إذا ما لعبت أوراقها بعناية وحَذَق وبخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية حامية إسرائيل وراعيتها.
ثالثاً: فيما يتعلق بالوضع الإسرائيلي:
لا غرابة في أنّ إسرائيل تشعر بنشوة وهي ترى أنّ خطة ترامب سوف تضمن لها تحييد خطر المقاومة المسلحة الفلسطينية ولو إلى حين، وهي ترى أيضاً أنّ عدوها اللدود " حزب الله " تم ضربه بقوة وهناك جهود داخلية وخارجية لنزع سلاحه، وذلك بالإضافة إلى تدمير المنشآت النووية والقدرات الصاروخية الإيرانية ولو جزئياً. إنّ هذا كله عزز شعور الإسرائيليين بالقوة وأنّ بإمكانهم المضي قُدماً في رفضهم لفكرة إقامة دولة فلسطينية (أشارت الاستطلاعات إلى أن 80% من الإسرائيليين يرفضون الفكرة!)، وفي ضوء ما سبق فليس مستبعداً أن يستمر الرأي العام الإسرائيلي في انزياحه نحو اليمين بحيث يعيد إنتاج نتنياهو رئيساً لوزراء إسرائيل فترة أخرى بغض النظر عن الاتهامات الخطيرة الموجهة إليه من المحاكم الإسرائيلية، وعن مثيلتها الموجهة إليه من قبل محكمة الجنايات الدولية!
رابعاً: فيما يتعلق بالوضع الدولي:
وهذا الوضع الدولي ينقسم حكماً إلى موقف أمريكي يعكس الموقف الرسمي للولايات المتحدة وهو متماهٍ مع الموقف الإسرائيلي كما أشرنا أنفاً، وإلى موقف بقية دول العالم تقريباً والذي يؤمن بأهمية إقرار حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ويعترف بالتالي بضرورة قيام دولة فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران 1967 وفقاً لحل الدولتين.
إنّ من حسن الحظ أن الولايات المتحدة بدأت تشعر بأنها "منبوذة" مع إسرائيل فيما يتعلق بمقاربة القضية الفلسطينية، والأمل معقود بأن تستكشف الولايات المتحدة أنها لا يجوز أن "تحارب العالم" مع إسرائيل ولمصلحتها وبخاصة أن شعار (الولايات المتحدة أولاً) هو شعار حركة Maga (Make America Great Again) التي خلقت الأرضية السياسية لانتخاب الرئيس الحالي ترامب.
ماذا يعني كل ما سبق لصانع القرار الفلسطيني؟
إنه يعني وبالضرورة:
أولاً: توحيد الصف الفلسطيني وتقديم ممثل شرعي وحيد يتكلم باسم الفلسطينيين وينافح عن قضيتهم ومصيرهم.
ثانياً: التنسيق مع الجانب العربي وبالذات فيما يتعلق بموقف العربية السعودية لتصليب موقفها بشأن التطبيع مع إسرائيل، وفيما يتعلق بموقف الإمارات بشأن ضم الضفة الغربية.
ثالثاً: التواصل مع دول العالم المؤيدة للحق الفلسطيني ومطالبتها باتخاذ إجراءَات ملموسة أكثر لجعل الاعتراف بالدولة الفلسطينية موضوعاً ذا معنى حقيقي يتمخض عنه قيام الدولة على أرض الواقع.
رابعاً: استمرار التحاور مع الإدارة الأمريكية، ومع شرائح الشعب الأمريكي التي بدأت تتفهم الموضوع الفلسطيني وتتعاطف معه كفئات الشباب (مَنْ هم دون الأربعين من الأمريكيين يؤيدون الحق الفلسطيني حسب الاستطلاعات) ، والجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، وبعض الإعلاميين المؤثرين.