إقامة حفل الفنان الكبير كاظم الساهر في مدينة البترا الوردية يوم الجمعة 14 نوفمبر / تشرين الثاني 2025، في مسرح البترا الصغيرة (Little Petra Amphitheater)، حدث فني لافت بكل المقاييس.

فهو يجمع بين الموسيقى الراقية وعظمة المكان التاريخي، ويُعيد تسليط الضوء على واحدة من أبرز الوجهات السياحية في العالم.
لكن خلف هذا البريق تبرز مجموعة من الأسئلة الواقعية التي تستحق النقاش الهادئ والعقلاني.

أولاً: لمن هذا الحفل؟

حين يصل سعر التذكرة إلى 700 دينار أردني، فإننا عمليًا نتحدث عن فعالية نخبوية لا يستطيع المواطن العادي حضورها، رغم أنها تُقام على أرض وطنه وتُروّج لوجهة تُعد رمزًا وطنيًا عالميًا.
فكيف يمكن أن يُقال إن الهدف هو “تنشيط السياحة الداخلية” إذا كان أغلب الأردنيين سيكتفون بمتابعة الحدث عبر الصور ومقاطع الفيديو؟

الفن الجميل لا يجب أن يكون حكرًا على القادرين، بل جسرًا يجمع الناس ويقرّبهم من تراث بلدهم.

ثانيًا: تحدي الوصول والإقامة

مدينة البترا تبعد عن عمّان أكثر من ثلاث ساعات بالسيارة، وطبيعة الحفل تجعل من الصعب العودة في الليلة نفسها.

هذا يعني أن من يرغب بالحضور يحتاج إلى إقامة ليلة قبل الحفل وليلة بعده، ما يضيف تكلفة فندقية لا تقل عن 300 دولار في الموسم السياحي.

أي أن التكلفة الإجمالية قد تتجاوز ألف دينار أردني للفرد الواحد، وهو مبلغ لا يتناسب مع دخل معظم الأردنيين.



ثالثًا: البعد الاجتماعي

يبقى سؤال آخر لا يقل أهمية:
من سيسمح لبناته أو زوجته بالسفر إلى البترا لحضور حفلة ليلية، دون وسيلة نقل مضمونة أو مرافقة؟

الموقع بعيد، والطريق طويلة، والعودة متأخرة، وهذه عوامل تجعل المشاركة العائلية محدودة جدًا،

ما يُفرغ الحدث من طابعه الجماهيري ويحوّله إلى فعالية مغلقة لمن يملك وسيلة نقل خاصة فقط.


رابعًا: الحل المنطقي — تذكرة شاملة التجربة

لماذا لا تكون التذكرة شاملة النقل والإقامة؟

بدل أن تكون 700 دينار “سعر مقعد”، يمكن أن تكون “قيمة تجربة” متكاملة ليومين:
نقل آمن ومنظّم من وإلى عمّان.

إقامة فندقية لليلة واحدة مع وجبة فطور.

دخول الحفل في أجواء راقية ومنظمة.

بهذا النموذج، يتحول الحفل من نشاط ترفيهي محدود إلى منتج سياحي متكامل ينعش الفنادق ووسائل النقل والمطاعم المحلية،
ويحقق هدف هيئة تنشيط السياحة في الترويج للأردن كمقصد سياحي متكامل.

خامسًا: رؤية مستقبلية

من الممكن أن تُطرح فئات متعددة من التذاكر تناسب مختلف الفئات الاجتماعية:

تذكرة أساسية: دخول فقط.

تذكرة فضية: دخول + نقل من وإلى عمّان.

تذكرة ذهبية: دخول + نقل + إقامة فندقية.

بهذا النموذج، يصبح الفن وسيلة للتنمية الشاملة، وتتحول حفلات البترا إلى مشاريع وطنية تجمع بين الثقافة والسياحة والاقتصاد.

خلاصة

الفكرة ليست في رفض إقامة الحفل في البتراء، بل في جعلها تجربة عادلة وميسّرة تعكس روح الأردن الحقيقية:

بلد الجمال، والكرم، والضيافة، والانفتاح الثقافي للجميع.

إن نجاح مثل هذه الفعاليات لا يُقاس بعدد الشخصيات البارزة في الصفوف الأولى،

بل بعدد الأردنيين الذين شعروا أن الحدث يُمثلهم ويخصّهم ويمنحهم الفخر بانتمائهم.