facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




القبيلة والدولة .. من العصبوية إلى المواطنة


جمال القيسي
01-11-2025 09:56 AM

في غالبية مجتمعاتنا العربية التي ما تزال تعيش واقع وتقاليد ما قبل الدولة، يبقى سؤال العلاقة بين القبيلة والدولة سؤالا تأسيسيا في بناء الوعي السياسي؛ فالقبيلة ليست مجرد موروث اجتماعي، بل منظومة قيمية متجذرة في الوجدان، بينما الدولة الحديثة كيان سياسي مؤسسي يقوم على العقد الاجتماعي وقيم المواطنة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون. وما بين الولاءين، ولاء الدم وولاء القانون، تتحدد ملامح الواقع والمستقبل السياسي لأي وطن يسعى إلى الاستقرار والتقدم.

القبيلة، في أصلها، إطار مجتمعي للحماية والتنظيم والتكافل، نشأت قبل الدولة بقرون، وكانت شكلا من أشكال “الدولة البدائية” التي تُنظِّم الحياة وتُقيم العدالة وفق أعرافها الخاصة. غير أن هذه الوظيفة، التي كانت ضرورية في غياب مؤسسات الدولة، تصبح عبئا حين تتغوّل على صلاحياتها، أو تتحوّل إلى مصدر نفوذ سياسي يُقاس بالعدد والشوكة لا بالكفاءة والاستحقاق.

أما الدولة الحديثة، فهي الكيان الذي تنحصر فيه الشرعية، ويمتلك سلطة القضاء والتشريع، وهي تسعى إلى تحقيق المساواة بين الأفراد بصفتهم مواطنين لا أبناء عشائر؛ لذلك فالمواطنة ليست نقيضا للقبيلة من حيث المبدأ، بل هي تطور طبيعي لها في سياق التحوّل من رابطة الدم إلى رابطة الحقوق والواجبات.

في الحالة الأردنية، يمكن القول إن الدولة لم تُلغِ القبيلة ولم تُقصِها، بل استعانت بها في بناء شرعيتها الاجتماعية والسياسية؛ فقد ظلت القبيلة رافعة الاستقرار في مراحل التأسيس، وسندا للدولة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، لكنها في الوقت نفسه أصبحت، بحكم هذا الدور، جزءا من المعادلة السياسية، وأحيانا منافسا صامتا لمؤسسات الدولة. وهذه النقطة بالذات تُعيدنا إلى ما نبّه إليه محمد عابد الجابري في كتابه “العقل السياسي العربي” (1990)، وهو تحليل لا يفقد راهنيته رغم مرور العقود؛ فقد رأى أن الدولة العربية لم تتحرّر من القبيلة، بل استعارتها كأداة من أدوات صناعة الشرعية.

بالطبع ليست المشكلة في وجود القبيلة، بل في تسييسها؛ أي حين تتحوّل العصبية إلى وسيلة للوصول إلى التأثير في القرارات السياسية والإدارية، وحين يُقاس العدل في التعيينات بميزان القربى لا بميزان الكفاءة. عندئذ تتراجع فكرة الدولة الجامعة لصالح “دولة المكونات”، وتضعف الثقة بالمؤسسات لصالح الولاءات الضيقة والهويات الفرعية.

لكن العدالة تقتضي أيضا الإقرار بأن القبيلة تحمل رصيدا أخلاقيا ثمينا يمكن تحويله إلى رأسمال اجتماعي يخدم الدولة المدنية، ويمكن أن تكون أساسا أخلاقيا للمواطنة إذا ما أعيد توجيهه من الولاء للأشخاص نحو الولاء للمصلحة العامة العليا.

التحدي الحقيقي أمام مشروع التحديث السياسي في الأردن هو الانتقال من الدولة التي تُوازن بين العشائر إلى الدولة التي توازن بين المواطنين، دون أن تفقد احترامها للموروث الاجتماعي. وهذا الانتقال يتطلب إرادة سياسية ومشروعا ثقافيا وتربويا يعيد تعريف مفهوم الولاء والانتماء في الوعي العام.

في النهاية، ليست القبيلة خصما للدولة، بل مرآة تُظهر ما إذا كانت الدولة قد أنجزت مشروعها المدني أم لا. فإذا كانت الدولة قوية بالقانون، ستبقى القبيلة قوية بالقيم النبيلة، وإذا ضعفت الأولى، عادت الثانية إلى لعب دور الحارس المجتمعي البديل. لذلك فإن الطريق إلى دولة المواطنة لا يمرّ عبر إلغاء القبيلة، بل عبر تحويل طاقتها من مرجعية عصبوية إلى رأسمال اجتماعي وطني، ومن الولاء للدم إلى الولاء للوطن.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :