facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التكنولوجيا والعنف الجامعي: بين الحقيقة والواقع


أ. د. هاني الضمور
02-11-2025 12:31 AM

أصبحت التكنولوجيا اليوم مكوّنًا أساسيًا في حياة الطلبة، فهي ترافقهم في قاعات المحاضرات عبر الأجهزة الذكية، وتطل عليهم في أنشطتهم اليومية من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي، وتدخل حتى في تفاصيل علاقاتهم الشخصية والجامعية. هذا الحضور الكثيف للتكنولوجيا يوحي لأول وهلة بأنها عامل إيجابي يسهم في الحد من العنف الجامعي، غير أن الواقع يكشف عن صورة أكثر تعقيدًا. فالتكنولوجيا تحمل وجهين متناقضين: يمكن أن تكون أداة بنّاءة للتثقيف والحوار، كما يمكن أن تتحول إلى منصة لتأجيج الخلافات وتضخيم النزاعات.

من الجانب الإيجابي، تتيح التكنولوجيا للطلبة منصات متعددة للتعبير عن آرائهم بحرية، وتفتح المجال أمامهم لتبادل الأفكار والخبرات. من خلال وسائل التواصل، يستطيع الطالب المشاركة في مجموعات نقاش افتراضية، أو الاطلاع على محتوى تدريبي يطور مهاراته في التواصل وحل النزاعات. كما يمكن للجامعة استثمار هذه الأدوات الرقمية في تنظيم أنشطة افتراضية، كالمحاضرات عبر الإنترنت أو المسابقات الثقافية، التي تشغل الطلبة وتمنحهم بدائل إيجابية بعيدًا عن الصدامات داخل الحرم الجامعي. الأهم أن التكنولوجيا قادرة على تدريب الطلبة على إدارة غضبهم ومشاعرهم عبر برامج وتطبيقات متخصصة في الصحة النفسية والإرشاد، وهو ما يقلل من فرص اللجوء إلى العنف.

في المقابل، لا يمكن تجاهل الوجه السلبي للتكنولوجيا. فقد تتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة مفتوحة لتبادل الشتائم أو نشر الشائعات أو حتى التحريض المباشر على العنف. بعض الطلبة قد يجدون في هذه المنصات وسيلة لتصفية حسابات شخصية أو فكرية، وهو ما يضاعف حدة النزاعات. كما أن انغماس الشباب في الألعاب الإلكترونية التي تمجّد العنف قد يجعل بعضهم أكثر ميلاً إلى تقليد ما يرونه في العالم الافتراضي، لينتقل التوتر إلى الواقع الجامعي. بل إن التكنولوجيا قد تعزز ما يُعرف بـ «العنف الرقمي» أو التنمر الإلكتروني، وهو شكل جديد من العدوان قد يكون تأثيره النفسي على الطالب أشد من العنف الجسدي المباشر.

ومن هنا، يصبح من الضروري أن تنظر الجامعات إلى التكنولوجيا باعتبارها شريكًا في التربية، لا مجرد أداة محايدة. يمكن للمؤسسة الأكاديمية أن تدمج المنصات الرقمية في برامج توعوية ممنهجة، بحيث تقدم محتوى يعزز قيم التسامح والحوار. كما يمكن أن تستثمر هذه الوسائل في تقديم خدمات الإرشاد النفسي عن بُعد، خاصة للطلبة الذين يجدون صعوبة في الإفصاح عن مشاكلهم وجهًا لوجه. إضافة إلى ذلك، تستطيع التكنولوجيا أن تفتح قنوات سرية وآمنة للتبليغ عن حالات العنف، بما يحمي الضحايا ويمنع تفاقم السلوكيات العدوانية.

إن التكنولوجيا في جوهرها ليست سببًا مباشرًا للعنف الجامعي، لكنها تعمل كمرآة تعكس ما يختزنه المجتمع من قيم واتجاهات. فإذا كان المحيط مشبعًا بثقافة التسامح، فإن التكنولوجيا تضاعف انتشار هذه القيم وتسهّل وصولها. أما إذا كانت البيئة مليئة بالتوتر والتحريض، فإن المنصات الرقمية قد تصبح وسيلة لتكريس هذا العنف وتوسيعه. ومن هنا يبرز الرهان الحقيقي: ليس في التكنولوجيا ذاتها، بل في كيفية توظيفها واستثمارها.

الخلاصة أن التكنولوجيا قادرة على أن تكون عامل تهذيب أو عامل تأجيج، بحسب ما نضعه نحن من سياسات تربوية واستراتيجيات توعوية. المطلوب هو أن تتعامل الجامعات مع التكنولوجيا بعقلية استباقية، تستثمر إيجابياتها في بناء جيل متوازن، وتحصّن الطلبة من سلبياتها عبر برامج وقائية وتربوية واضحة. حينها فقط يمكن أن تتحول التكنولوجيا من مصدر تهديد محتمل إلى منصة رائدة للحوار، ومن محفز للعنف إلى جسر للتسامح والتفاهم.

بهذا المعنى، يبقى التحدي الأكبر أمام الجامعات هو أن تحوّل التكنولوجيا من أداة محايدة إلى شريك استراتيجي في التربية، وأن تستخدمها لبناء بيئة جامعية آمنة، تُعلي من شأن الحوار وتُعزز روح الانتماء، وتفتح أمام الطلبة آفاقًا رحبة للإبداع بعيدًا عن العنف والصدام.

الدستور





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :