facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الثقافة الدموية الحديثة


م. عبدالفتاح الدرادكة
05-11-2025 02:51 PM

شهد التاريخ الإنساني صوراً دامية من الحروب، غير أن ما شهده العصر الحديث فاق كل ما مضى وحشيةً وبشاعة. فالحروب القديمة كانت صراعاً بين جيوشٍ متقابلة، أما اليوم فقد صار المدنيون – نساءً وأطفالاً وشيوخاً – الهدف الأول للقتل، وصار الدمار يُرتكب باسم “الحرية” و”التحضر”.

ومع اتساع رقعة العلم وازدهار الجامعات، وانتشار وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي التي مكنت وتمكن امتزاج الثقافات ومشاهدة كل ما بجري في العالم كان المنتظر أن يترسخ الوعي الإنساني، وأن يسود احترام الحياة، لكن المفارقة أن هذا “التقدم” أفرز أكثر العصور تنظيماً في القتل. فمع فجر “العالم الجديد” في القارة الأمريكية بدأت أولى فصول الإبادة، حين أُفنيت قبائل الهنود الحمر ليُقام على أنقاضهم ما سُمّي بـ“حضارة الغرب”. ومن شمال أمريكا إلى جنوبها امتدت ثقافة القتل، فكانت شعارات “الحرية” و”مكافحة الشيوعية” ستاراً لمجازر في غواتيمالا وبنما وكوبا وكثير من دول امريكا اللاتينية.

ثم جاء عام 1945 ليسجل أفظع مشهد في تاريخ البشرية، عندما ألقيت قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناغازاكي، فمات أكثر من مئتي ألف إنسان بلحظات باسم “السلام والنصر”. ومنذ تلك اللحظة، أصبح الموت الجماعي قراراً سياسياً تبرره الحضارة ويبرع العلم في تنفيذه.

وفي فيتنام، أحرقت النابالم الغابات والأجساد وسقط ملايين الضحايا في حرب عبثية بين قوتين عظميين. وفي الشرق الأوسط كان نصيب العرب من المآسي أعمق وأقسى. ففي فلسطين بدأت المجازر منذ ثلاثينيات القرن الماضي على يد العصابات الاسرائيلية التي ارتكبت جرائم دير ياسين واللد ويافا وحيفا وغيرها الكثير حيث لم يكن الفلسطينيون جيشاً، بل شعباً أعزل يُباد لأن القتل أصبح “عقيدة وجود” لدى المحتل، تُقتل المرأة لأنها قد تلد مقاوماً، والطفل لأنه قد يكبر يوماً. وتستمر هذه الفلسفة إلى اليوم في غزة، حيث يُباد شعب بأكمله فقط لأنه يطالب بحقه في الحياة.

وفي لبنان وسوريا والعراق واليمن تكررت الفصول ذاتها. من قانا وصبرا وشاتيلا إلى حلب والموصل والفلوجة، ارتكبت وتُرتكب المجازر باسم “التحرير” و”الديمقراطية”. وفي اليمن يُحاصر الجوع والموت شعباً عريقاً بسبب اجندات ومشاريع خارجية سياسية ، بينما يكتفي العالم بالمشاهدة. أما في السودان، فالإبادة الجماعية في دارفور والفاشر تُرتكب تحت غطاء الصراع الداخلي بين اطراف تعتبر ادوات وقطع شطرنج تحرك باجندات خارجية والقتلة هم فعليا مرتزقة وأدوات لهذه المشاريع والاجندات الخارجية.

لقد صاغت “الحضارة الحديثة” التوحش في قوالب جديدة؛ فصارت المجازر أكثر تنظيماً والتبريرات أكثر “إنسانية”. والمفارقة أن من يشرّعون القوانين لحماية الحيوانات هم أنفسهم من يبررون قتل الأطفال في غزة والضفة الغربية والسودان ولبنان واليمن . فأي إنسانية هذه التي تبكي على قطة وتغضّ الطرف عن آلاف الجثث البشرية؟

ويبقى السؤال الجوهري: من يقف وراء هذا التاريخ الطويل من المذابح؟ من يغذي الحروب ويسيطر على الإعلام والسلاح والمال؟
الإجابة واضحة: إنها القوة الكبرى التي تمسك بخيوط النفوذ العالمي التي تمثل غطاءً لمجموعة تهيمن على الاقتصاد والسلاح والإعلام، وتغذي الأزمات لخدمة مصالحها. أولئك الذين لفظهم التاريخ زمناً عادوا لينتقموا من العالم، ويقيموا وجودهم على دماء الأبرياء.

قتلة البشر في عصرنا الحديث ليسوا برابرة الماضي ولا نيرون ولا هولاكو، بل رجال بربطات عنق لامعة يتحدثون عن السلام وحقوق الإنسان، وهم يضغطون زرّاً في غرفة مكيفة فيزهقون أرواح الأبرياء على بعد آلاف الأميال. إنهم من حوّلوا الحرب إلى مشروع اقتصادي، والدم إلى سلعة، والخراب إلى وسيلة لبناء نظام عالمي جديد يتغذى على جراح الضعفاء والباقي عندكم.

والله من وراء القصد..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :