يوسف العيسوي .. رجل الدولة الذي جعل من الولاء فلسفة حياة
د. بركات النمر العبادي
05-11-2025 04:05 PM
في عالمٍ تتغيّر فيه الوجوه وتتبدّل فيه المبادئ ، يظلّ بعض الرجال ثوابت لا تهزّها رياح المناصب ولا تُغريها بريق السلطة ، هم الرجال الذين يصنعون من الإخلاص طريقًا ، ومن الولاء منهجًا ، ومن العمل عبادةً يومية ، من بين هؤلاء يسطع اسم معالي يوسف حسن العيسوي اب حسن ، رئيس الديوان الملكي الهاشمي ، الذي جعل من خدمته للوطن والعرش سيرةً تنبض بالحكمة والعطاء ، وفي هذة السطور نتنسم عبق سيرة رجل لم يغيره بريق المنصب و لا حتى قربه من راس الدولة .
من ميادين الجندية إلى رحاب القيادة
وُلد العيسوي في زمنٍ كان الانضباط فيه لغة الشرفاء، التحق بصفوف القوات المسلحة الأردنية ، فكان جنديًا يعرف أن الخدمة ليست وظيفة ، بل نذرٌ للوطن ، تدرّج في الرتب ، وتعلّم أن الانتماء ليس كلمة تُقال بل سلوكٌ يُمارس ، وأن القيادة تبدأ بالقدرة على الطاعة ، وبالإيمان أن العمل في الظل لا يقلّ شرفًا عن الظهور في الضوء ، من ساحات الجيش انتقل إلى الديوان الملكي العامر ، حاملاً معه ذات الروح العسكرية التي تُقدّس الواجب ، وذات التواضع الذي يعلّمك أن الكِبر لا يليق إلا بالوطن.
الديوان الملكي… بيت الأردنيين
منذ أن تولّى رئاسة الديوان الملكي العامر عام 2018، أعاد العيسوي تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن ، لم يرَ في الديوان جدارًا رسميًا فاصلًا ، بل بيتًا كبيرًا يجمع الأردنيين.
كان ومايزال يستقبل الناس بابتسامةٍ صادقة ، يفتح الأبواب قبل أن تُطرق ، ويسمع بإنصاتٍ من يعرف أن الشكوى هي لغة المواطن الباحث عن العدالة لا عن الشفقة.
في حضرته، يصبح الحوار جسراً بين همّ المواطن وضمير الدولة ، ويصبح اللقاء وعدًا بأنّ الوطن لا يترك أبناءه مهما اشتدت الظروف.
فلسفة العطاء الصامت
في معالي يوسف العيسوي ، تتجلّى فلسفةٌ نادرة في الإدارة : أن العمل الصامت أبلغ من التصريحات ، وأنّ الأثر الحقيقي يُقاس بما يتركه الإنسان في نفوس الناس لا بما يُكتب في العناوين ،
هو رجلٌ يمشي على الأرض بهدوء ، لكنه يترك أثرًا يشبه نبض الوطن ، تراه بين الناس كأنه واحدٌ منهم ، يحمل همّ البسطاء ، ويجعل من كل لقاء فرصة لزرع الأمل ، وحين يتحدث، تشعر أن كلماته تُكتب بالحكمة ، وتُوقّع باسم الأردن.
وسام على صدر الوطن
نال العيسوي أوسمةً رفيعة من الدولة الأردنية ومن دولٍ شقيقة ، لكنها ليست ما يميّزه ؛ فتكريمه الحقيقي يسكن في قلوب الأردنيين الذين رأوا فيه تجسيدًا نقيًا للولاء والصدق ، لقد تجاوز دوره حدود المنصب ، ليصبح رمزًا لمدرسةٍ أردنيةٍ عريقة تؤمن بأن خدمة الدولة شرفٌ لا يُشترى ، وأن الإخلاص للوطن هو أعلى وسامٍ يمكن أن يحمله إنسان.
ليس يوسف العيسوي اسمًا في سجلّ الوظائف ، بل معنى يُجرِّبُه الوطن حين يريد أن يرى نفسه على هيئة إنسان ، وفي سيرته تتصالح القوة مع الرحمة ، ويغدو المنصبُ امتحانًا للضمير لا منصّةً للظهور، هو الرجل الذي فهم الدولة بوصفها عهدًا لا إدارة ، ومسؤوليةً تُقاس بعمق الأثر لا بضجيج القول.
إذا كان بعض الناس يترك وراءه إنجازًا يُذكر، فإن العيسوي يترك طريقةً في الفعل : أن تعمل كأنك غير مرئي ، وأن تُصيب الهدف دون أن تُصيبك الأضواء ، لذلك يبدو تكريمه الأصدق في سكينة الوجوه التي اطمأنّت ، وفي ثقةٍ صارت عُرفًا بين المواطن وبيته الكبير—الديوان الملكي العامر ، وكل ذلك تشربة من مدرسة ال البيت الاطهار وعميدهم جلالة الملك القائد عبد الله الثاني بن الحسين المعظم وولي عهده الامين .
هو خلاصة مدرسةٍ أردنيةٍ تقول إن الولاء ليس شعارًا ، بل ممارسةٌ يومية ، وإن الكرامة لا تُستعار من وسام ، بل تُكتَب في السلوك ، وهكذا ، لا يمرّ العيسوي من التاريخ مرورَ عابرٍ مُجتهد ، بل يمكث فيه كمبدأ : أن تكون كبيرًا بقدر ما تُصغِّر من نفسك ، وأن ترفع الوطن كلّما رفضت أن ترفع صوتك.
ذلك هو حقّه علينا : أن نراه كما هو— رجلًا بحجم قيمة ، لا بحجم لقب.
حمى الله الاردن وحفظه من كل كريهة.