فوز زهران ممداني .. بوابة التحول في الوعي السياسي الأمريكي!
د. ثابت المومني
08-11-2025 09:21 AM
يشكّل فوز زهران ممداني برئاسة بلدية نيويورك حدثًا سياسيًا لافتًا في المشهد الأمريكي، ليس فقط لكونه أول مسلم وأول من أصول مهاجرة يتقلّد هذا المنصب، بل لأنه يعكس تحوّلًا ثقافيًا وفكريًا عميقًا داخل الأجيال الشابة في الولايات المتحدة. هذا الفوز لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق الأوسع لصعود التيار التقدّمي الذي يعيد تعريف القيم الأمريكية الحديثة خارج الإطار التقليدي الذي احتكره الحزبان الكبيران لعقود.
لقد عاش الشباب الأمريكي طويلاً في حالة عزوف عن السياسة، بسبب شعورهم بالاغتراب عن مؤسسات الحكم وانعدام الثقة بالأحزاب الكبرى التي احتكرت القرار بوجوه شاخت داخل السلطة. لكن ممداني قدّم نموذجًا مختلفًا؛ شاب من أصول مهاجرة، قريب من هموم الطبقات العاملة والمهمّشة، يتحدث لغتهم ويخاطب وجدانهم. ومن هنا، جاء فوزه كجرس إنذار لقيادات الحزبين الديمقراطي والجمهوري بأنّ الأجيال الجديدة تبحث عن تمثيل حقيقي وصوت جريء يعبّر عن طموحاتها.
وإذا نجح ممداني في إدارة المدينة الكبرى بنجاحٍ وشفافية، فإنّ ذلك سيكون حافزًا قويًا لملايين الشباب الأمريكي لدخول معترك السياسة، ليس فقط عبر التصويت، بل من خلال التنظيم والترشّح والعمل الحزبي، ما يعني عمليًا بداية تفكّك الهيمنة الفكرية والسياسية التي ظلت تمارسها النخب التقليدية داخل الحزبين.
هذا التحول المحتمل في بنية المشاركة السياسية ستكون له انعكاسات بعيدة المدى على المواقف الأمريكية من القضايا الدولية. فالشباب الأمريكي اليوم أكثر تحررًا من عقد الماضي وأكثر وعيًا بالعدالة العالمية، وهو ينظر إلى القضية الفلسطينية من زاوية إنسانية وأخلاقية لا من منظور التحالفات العسكرية. ومع صعود هذا الجيل، قد تفقد إسرائيل مكانتها كـ«الطفل المدلّل» للسياسة الأمريكية، لتصبح مثل غيرها من الدول التي تخضع لمعايير الحقوق والعدالة والمساءلة.
إنّ فوز ممداني لا يغيّر السياسة الخارجية بحدّ ذاته، لكنه يغيّر الناس الذين سيصنعون تلك السياسة غدًا. إنه يشعل شرارة وعي جديدة في مجتمعٍ بدأ يراجع ضميره بعد ما شهدته غزة من جرائم وحروب متكرّرة، ويدفع باتجاه مرحلة لا يكون فيها دعم الاحتلال أمرًا مسلمًا به، بل موضوعًا للنقاش والاختلاف داخل المجتمع الأمريكي نفسه.
وفي النهاية، فإنّ ما حققه زهران ممداني ليس مجرد فوز انتخابي، بل بداية مسار طويل قد يُعيد رسم الخريطة الأخلاقية والسياسية للولايات المتحدة، ويفتح الباب أمام جيلٍ جديد من القادة الذين يؤمنون أن العدالة لا تتجزأ، سواء كانت في نيويورك أو في غزة.