facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




لماذا لا نقرأ؟ مأزق الوعي العربي في زمن الصورة


د. لينا جزراوي
08-11-2025 11:31 AM

تُطاردني دائمًا فكرة محيّرة: لماذا لا يقرأ الإنسان العربي؟

أكتب مقال رأي أسبوعيًّا، أتناول فيه قضايا تمسّ هموم الناس، وتقترب من تفاصيل حياتهم اليومية، وأحاول أن أضع الإصبع على الجرح في مشكلاتٍ معيشية، اجتماعية، وثقافية نلمسها جميعًا. ومع ذلك، أجد التفاعل محدودًا، والاهتمام شبه غائب، وكأننا نعيش في زمنٍ يتراجع فيه الفعل لحساب الصمت، ويتقدّم فيه الصوت على الفكر.

قد يظنّ الكاتب أنه حين يطرح قضية أو يدقّ جرس إنذار سيجد آذانًا مصغية وقلوبًا متفاعلة، لكن الواقع يقول غير ذلك. الناس لا تقرأ، وإن قرأت فبسرعة، وبعينٍ مستعجلة تبحث عن الخلاصة لا عن الفكرة، عن التسلية لا عن الفهم. نحن أمام ظاهرة ثقافية عميقة لا يمكن اختزالها في ضعف المحتوى، بل في تبدّل العادات الذهنية والسلوكية للإنسان العربي.

اليوم، في زمن التحوّل الرقمي، لم تعد القراءة تقتصر على الورق، فقد تعدّدت الوسائط والمنصّات، وتنوّعت أشكال المحتوى، لكن المفارقة أن هذا الانفتاح لم يُنتج قارئًا جديدًا، بل أنتج مستهلكًا بصريًا يتغذّى على الصورة السريعة والمشهد اللاهث.
حتى في الفضاء الرقمي، حيث المفترض أن تكون الكلمة أسهل وصولًا، تراجع الاهتمام بالمضمون، وتقدّم الشكل على الجوهر. يكفي أن تكون الصورة لامعة أو العنوان مثيرًا حتى تنهال الإعجابات والمشاركات، مهما كان المحتوى فقيرًا أو سطحيًا.

وهنا تتبدّى المشكلة الأعمق: لم نعد أمام أزمة وسائل، بل أمام أزمة وعي.

العقل العربي ما يزال أسير التلقّي، لا يُبادر ولا يُحلّل، بل ينتظر من يُفكّر عنه ويمنحه خلاصةً جاهزة. وعندما يتحوّل الإنسان إلى متلقٍّ دائم، فإنه بالضرورة يفقد فاعليته، ويتحوّل من صانعٍ للفكر إلى متفرّج على الواقع.

كيف يمكن أن نصنع التغيير في واقعٍ لا يعجبنا، ونحن لا نحاول فهمه؟

كيف نطالب بإصلاحاتٍ سياسية أو اقتصادية، ونحن نهمل أبسط أدوات التغيير: المعرفة؟

القراءة ليست ترفًا ولا هواية نمارسها وقت الفراغ، بل هي فعل مقاومة ضد الركود والجهل والتكرار.

ما نحتاج إليه ليس فقط أن نقرأ، بل أن نؤمن بالقراءة كقيمة، أن نُعيد تشكيل علاقتنا بالمعرفة، وأن نربطها بالفعل اليومي. فالأمم التي تصنع مستقبلها تبدأ من فكرة، والفكرة لا تولد إلا في عقلٍ يقرأ.

لقد صار من السهل أن نجعل صوتنا يصل، لكن الأصعب أن نجعل فكرنا يُفهَم.

ولعلّ هذا هو الفارق بين من يصرخ، ومن يُفكّر.

والخيار لنا دائمًا: هل نريد أن نكون مجتمع الصوت أم مجتمع الفعل؟

* رئيسة الجمعية الفلسفية الأردنية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :