facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




اليوم العالمي للفلسفة: حين يُصبِح للعقل صَوت


د. لينا جزراوي
15-11-2025 04:19 PM

في الخميس الثالث من نوفمبر من كل عام، يُحيي العالم اليوم العالمي للفلسفة؛ مناسبة دولية تستعيد فيها الإنسانية صوت العقل وحقّه في السؤال والتفكير. وقد اختارت اليونسكو عنوانًا لاحتفالية هذا العام هو:

“قيم مجتمعات المستقبل – The Values of Societies of the Future”،

وهو عنوان يعكس وعيًا متزايدًا بأن التحولات الرقمية المُتسارعة لا تكفي وحدها لبناء مستقبل أفضل، ما لم تترافق مع إنتاج منظومة قيميّة جديدة تتلاءم مع هذا العالم المتغيّر، وتستجيب لتحدياته الأخلاقية والإنسانية.

ففي عالم يندفع نحو الذكاء الاصطناعي، والاتّصال الفوري، والتقنيات المُتقدمة، لم يعد السؤال: كيف نواكب التطور؟ بل أصبح: أيّ قيَم ينبغي أن تؤطّر هذا التطور؟ وما المعايير التي يمكن أن تحمي الإنسان من فقدان إنسانيته وسط هذا التسارع؟

إن القيم، مهما بدت راسخة، ليست معصومة عن التحوّل؛ فهي تحتاج دائمًا إلى مراجعة وتقييم ومواءمة كي تنسجم مع الواقع المتجدد دون أن تفقد جوهرها.

اليوم ؛ لم تعد الفلسفة ترفًا نخبوياً، بل غدت ضرورة لحماية الإنسان من الذوبان في عالم تقوده الخوارزميات. إن التفكير النقدي هو البوصلة التي تمنح الفرد أمانًا فكريًا وحضاريًا، وتُحرره من سُلطة الخطاب السائد والقيم الجامدة التي تعيق الإبداع.

فالفلسفة، في جوهرها، ليست مُجرد تأملات مجردة، بل وعي نقدي بالواقع وسعي لتغييره، وإعادة بناء لمفاهيم الحرية، والمسؤولية، والمبادئ التي توجه سلوك الأفراد والمجتمعات.

لقد بدأت الفلسفة بالدهشة، ومن الدهشة وُلد السؤال، لكنه السؤال نفسه الذي ما زال يُنظر إليه في عالمنا العربي بوصفه تهديدًا وليس مدخلًا إلى الفهم. غير أن الحقيقة بسيطة وعميقة: لا مَعرفة بلا سؤال، ولا تَقدم بلا نقد، ولا مُستقبل بلا مُراجعة للقيم.

كانط رأى أن الإنسان لا يُحقق إنسانيته إلا حين يتحرّر من الوصاية، ويصوغ قوانينه الأخلاقية بنفسه. وهنا تكمن أهميّة الفلسفة اليوم؛ فهي ليست مُجرّد ترف عقلي، بل أداة لتحرير الوعي من الانغلاق، ووسيلة للتمييز بين المَعرفة والزيف في عصر طُغيان المعلومات.

وقد أدرك الفلاسفة المسلمون هذه الحقيقة مبكرًا. فالفارابي وابن سينا وابن رشد وغيرهم أسّسوا لحركة عقلية جريئة ربطت بين البُرهان والحِكمة، ورأت في الفلسفة سبيلًا لتجديد الحضارة وتطوير العلوم. كانوا يوقنون أن العقل لا يُنتج معرفة دون تحليل ونقد ومراجعة دائمة، تمامًا كما تحتاج القيم اليوم إلى إعادة بناء مُستمرة تتناسب مع التغيرات الاجتماعية والتقنية.

إن استعادة هذا الإرث ليس حنينًا إلى الماضي بل ضرورة حضارية. فالمجتمعات التي تريد مكانًا في المستقبل تحتاج إلى قوة فكرية لا تقل أهمية عن قوتها التقنية. وإلى قيم تتسع للتعدّد، وتواجه تحديات الرّقمنة، وتعدّل نفسها حسب ما تفرِضه التحوّلات الكُبرى.

وفي اليوم العالمي للفلسفة، نتذكر أن التحررّ يبدأ من العقل، وأن السّؤال هو الخطوة الأولى نحو بناء قيم جديدة قادرة على حماية إنسانية الإنسان في عالم يتغيّر بلا توقف. وحين يُصبح للعقل صوت، يصبح المُستقبل أفقًا مفتوحًا لا تهديدًا، وتُصبح القيم مشروعًا مستمرًا لا وصفة جاهزة.

* رئيسة الجمعية الفلسفيّة الأردنيّة





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :