الملك الحسين .. حين يكون الغياب حضورًا لا يُنسى
د. بركات النمر العبادي
18-11-2025 02:31 PM
يأتي تشرينٍ من كل عام ملوّحا بأوراق الخريف ، يحمل ذكرى لم يُطفئها الزمن ، ولا بهتت صورتها في الذاكرة الوطنية ، بل كلّما تجددت ، عادت معها مشاعر دفينة تُبعثرها العيون قبل القلوب... إنها ذكرى رحيل الحسين.
الحسين لم يكن زعيما حاكمًا فحسب ، بل كان أبًا ، وضميرًا حيًا ، ووجدانًا يقرأ نبض الناس ويشعر بألمهم قبل أن يُصاغ في الكلمات. كان يسير في دروبهم ، ويشاركهم أحلامهم ، ويُطمئنهم في أوقات المحن بابتسامته التي لم تكن تخفي عنه قسوة التحديات.
لم يكن االمغفورلة ملكًا عابرًا في سجلّات الحكم ، ولا زعيمًا سياسيًا أدّى دوره ومضى . كان حالة وجدانية ، وصوتًا أبويًا ، وإيقاعًا وطنيًا متّزنًا يُحاكي نبض شعبه ، وكان الوطن إذا تحدّث، والإنسان إذا شعر، والضمير إذا سكن العدل قلبه.
في حضوره ، كان الأردن يتنفّس اتزانًا وسط عواصف الإقليم ، وفي غيابه ، أصبح رمزه... كأنّه لا يُغادر. فكم من قائدٍ مات جسده وبقيت روحه تنبض في وجدان الناس ؟ وكم من حُكمٍ انتهى رسميًا ، لكنه ظلّ حيًا في أذهان المحرومين ، والمقاتلين ، والبسطاء الذين رأوا فيه نصيرًا ، لا صورة على الحائط ؟
إن فلسفة الحسين في القيادة لم تكن نخبوية ولا مصطنعة بل كانت فلسفة «الوجه المكشوف» و«اليد الممدودة». كان يمشي بين الناس كما يمشي الأب في حقل أولاده ، يربّت على الهمّ ، يُربّي الأمل ، ويغرس الطمأنينة في النفوس.حين مرض ، مرضت معه القلوب.
وحين رحل ، لم تتأخر الدموع ، لكن ما تبقّى ليس الحزن وحده ، بل الوصية.
وصية أن يبقى هذا الوطن كما أراده : متماسكًا ، قويًا ، عصيًّا على الانقسام.
أن تبقى فلسطين في القلب لا في الشعار.
وأن يبقى جيشُنا المصطفوي وراية الهاشميين سورًا لأمن البلاد وأمانها ، متمسكين بهويتهم الوطنية الاردنية .
لم يكن الحسين ملكًا محاطًا بالمراسم والقصور، بل كان صاحب فكرة ، وفكرته كانت واضحة: "أن تكون قريبًا من الناس، أقرب من السُلطة نفسها ، هو أعظم أشكال الحُكم." واليوم ، إذ نعيش في ظلّ جلالة الملك عبد الله الثاني – وارث الرؤية والمسؤولية – ندرك أن الحسين لم يرحل ، بل زرع امتداده في كل حجرٍ وشارعٍ ومؤسسة وموقف.
إنّ ذكرى رحيله ، ليست استدعاءً للحزن ، بقدر ما هي تذكيرٌ بمسؤولية الامتداد... بأن نحفظ ما بناه ، ونطوّر ما رسّخه ، وأن نُبقي على جذوة الانتماء مشتعلة في نفوس الأجيال ، كما أرادها الحسين : حبًّا نقيًا للأردن ، وخدمة صادقة لأبنائه ، وثقة لا تهتزّ بمستقبل هذا الوطن و ذكرى وفاته ليست مأتمًا ، بل هي لحظة صادقة نعود فيها إلى أصلنا ، إلى تعريفنا الأول لأنفسنا كأردنيين:
نحن أبناء مدرسةٍ علّمتنا أن الكبرياء لا يحتاج صراخًا ، وأن الفقر ليس عيبًا إن كانت الإرادة حيّة ، وأن الوطن لا يُقاس بمساحته ، بل بعدد الذين يضحّون من أجله ، والذين يحملون في وجدانهم الهوية الوطنية الاردنية كثابت لا يقبل التجزءة او التذويب او التهميش.
فيا حسين .... يا ايها الملك
لا زالت ذكراك حيّة في دعاء أمٍ تنتظر ابنها العسكري.
وفي أمل شابٍ يصرّ على الحُلم رغم الضيق.
وفي ملامح ملكٍ يواصل المسير على دربك بصبرٍ وشجاعة.
نم قرير العين ، فإن في كل زاوية من هذا الوطن صدى لاسمك ، وظلّك ، وصوتك.
رحم الله ابا عبدالله ابا الاردنيين جميعا المغفور لة بإذن الله تعالى الحسين بن طلال
* حزب المحافظين