facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




«الفخّ السيكولوجي» ومصير المنطقة!


د. محمد أبو رمان
19-11-2025 12:21 AM

تدخل المنطقة اليوم في ما يشبه لعبة سياسية – نفسية (سيكولوجية) مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهي لعبة لا تعتمد فقط على موازين القوى التقليدية، بل على فهم عميق للبعد الشخصي في صناعة القرار داخل البيت الأبيض. فشخصية ترامب النرجسية، ووعيه المبالغ فيه بذاته، جعلا التعامل معه عملياً أقرب إلى منطق تجنّب الصدام وإرضاء غروره.

طالما أنّ الولايات المتحدة لا تزال القوة الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط، فإنّ الفاعلين الإقليميين يلجؤون إلى ممارسة أعلى درجات البراغماتية، واعتبار التعامل مع ترامب جزءاً من «إدارة الخسائر»، لا من السعي لفرض رؤية مستقلة أو حلول جذرية. لذلك شهدنا سلوكاً دبلوماسياً عربياً يقوم على المبالغة في المجاملة السياسية، مقابل تصريحات من ترامب يوزّع فيها الثناء على الزعماء بلا معايير، من دون أن ينعكس ذلك على إنتاج سياسات واضحة أو نتائج ملموسة.

ضمن هذا الإطار، جاء التعاطي العربي مع قرار مجلس الأمن 2803 الخاص بمستقبل غزة. فعلى الرغم من أن القرار لم يحظَ برضا الأطراف كافة، إلا أنّ قبولاً عاماً به بدأ يتشكّل، ليس لاقتناع بمضمونه، بل لغياب البديل واقتناع بأنّ الاعتراض لن يغيّر شيئاً، وقد يرتّب خسائر إضافية. الأردن، مثلاً، كان واضحاً في تحفظه المبكر على فكرة القوات الدولية وطبيعة دورها، وتساءل الملك سابقاً (في مقابلته مع البي بي سي) عمّا إذا كانت تلك القوات ستُرسل لحماية السلام أم لفرضه، بالإضافة إلى ملاحظات أخرى عديدة على المشروع الأميركي، لكن ضمن الموازين الحالية للقوى والحالة الدولية والإقليمية، فإنّ الموقف الأردني يعمل على بناء إطار عربي إسلامي أكثر قدرة على إدارة العلاقة مع ترامب والمرحلة القادمة، حتى وإن كانت هنالك العديد من التحفظات والهواجس الأردنية الكبرى تجاه ما يجري على أرض الواقع!.

الترحيب العربي الحذر بالقرار يرتبط باعتباره إطاراً يمكن البناء على بعض ما فيه، وخصوصاً تضمينه مصطلح «الدولة الفلسطينية»، وهو المصطلح الذي يُبقي الفكرة حاضرة على الأقل في النصوص الرسمية، حتى وإن كان إدراجه فضفاضاً ويفتقر إلى التحديد السياسي أو القانوني. لكنّ هذا المكسب الرمزي لا يلغي حجم الغموض في القرار، وخصوصاً في ربط عودة السلطة الفلسطينية بإصلاحات داخلية وبانسحاب إسرائيلي غير محدد المعالم، وهي صياغات يمكن لإسرائيل استخدامها لتمديد الوضع القائم وإعادة تفسير الالتزامات بما يخدم رؤيتها الأمنية.

تتزامن وتتزاوج هذه الضبابية مع ما كشفته صحيفة الغارديان عن المشروع الأميركي لإعادة إعمار غزة، وهو مشروع يعكس عقلية إدارة انتقالية غير قادرة على إنتاج رؤية متماسكة، وتعتمد بدلاً من ذلك على نماذج سابقة لم تثبت نجاحها، واستنساخ تجربة «المنطقة الخضراء» في بغداد؛ مع الفرق الكبير بطبيعة الحال بين السياقين؛ فالتصور الأميركي الجديد يبدو مصمماً على أساس الفصل بين مناطق داخل القطاع: مناطق تعتبرها واشنطن وتل أبيب «قابلة للحياة» تُفتح للاستثمار وإعادة الإعمار، ومناطق أخرى تُعزل خلف خطوط أمنية مشددة، وخصوصاً تلك التي تحتفظ حماس بنفوذ فيها. هذا النوع من التخطيط الهندسي – الأمني ينتج واقعاً غير متوازن، وبيئة مشوهة يعيش فيها جزء من السكان في فضاء اقتصادي وتجاري مشروط ومسيطر عليه، بينما يُترك الجزء الآخر، الذي يضم الغالبية، في حالة حصار ممتد، الأمر الذي يهدد بإعادة إنتاج الظروف ذاتها التي قادت إلى الانفجار سابقاً.

وبالرغم من الترحيب العربي والإسرائيلي الظاهري بالقرار، إلا أنّ ما يمكن تسميته بـ»معركة التفاصيل» لم تبدأ بعد، وهي المعركة التي غالباً ما تحدد مصير أي اتفاق أو قرار. فالتفاصيل التنفيذية ستكون مجالاً لصراعات دقيقة بين الأطراف، ومحاولة كل طرف إعادة تفسير القرار وفق مصالحه. وتُظهر التجربة أنّ إسرائيل تمتلك القدرة الأكبر على توجيه هذه التفاصيل، مستفيدة من الغموض المتعمد في النص، ومن الدعم الأميركي الذي يميل عملياً إلى رؤيتها الأمنية.

ما يُقدَّم اليوم على أنه بداية مسار لاستقرار غزة هو في الحقيقة قشرة رقيقة تغطي واقعاً شديد التعقيد، مشحوناً بالتناقضات والفراغات السياسية. وإذا استمرّ التعامل مع واشنطن بمنطق اللعبة السيكولوجية فقط، فإنّ ما سينتج هو حلول شكلية، هشّة، قابلة للانهيار، ومجرّد إدارة للأزمات بدل حلّها. أما الواقع الحقيقي فهو أن مرحلة أكثر صعوبة قد تكون في الطريق، وأنّ الضبابية الحالية ليست هدنة سياسية، بل فراغ استراتيجي يسبق جولات جديدة من التوتر.

"الدستور"





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :