جولة الملك الآسيوية .. فلسفة الدولة الأردنية ودلالات المرحلة
د. بركات النمر العبادي
19-11-2025 12:09 PM
في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة ، وانعكاسات الأزمات الإقليمية والدولية ، تأتي جولة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى عدد من الدول الآسيوية كجزء من الرؤية الأردنية الثابتة والمرنة في آنٍ معًا ، والتي تسعى لتعزيز التنويع الاستراتيجي في الشراكات الدولية ، والبحث عن فرص جديدة للتنمية الاقتصادي ، وتأكيد مكانة الأردن كدولة محورية في الشرق الأوسط.
أولًا : الدلالات السياسية للجولة
1. تعزيز مبدأ التوازن في العلاقات الدولية
لا تقتصر السياسة الخارجية الأردنية على المحور الغربي أو الشراكات التقليدية ، بل تتجه شرقًا لتعميق التعاون مع قوى آسيوية صاعدة مثل الصين ، كوريا الجنوبية ، واليابان ، ما يعكس إدراكًا أردنيًا لأهمية عالم متعدد الأقطاب.
2. الرسائل الإقليمية والدولية
تحمل الجولة رسائل بأن الأردن دولة مستقلة القرار، تبحث عن مصالحها ضمن استراتيجية عقلانية ، وترسل إشارات بأن المملكة تملك هامش حركة دبلوماسي واسع في بيئة دولية مضطربة.
3. إعادة التموضع في النظام العالمي الجديد
مع تزايد التنافس بين الغرب والصين، والانكفاء الأميركي النسبي عن المنطقة، يتحرك الأردن لملء فراغات التعاون، وبناء شراكات جديدة تعزز أمنه القومي ومكانته السياسية.
ثانيًا: الأبعاد الاقتصادية للجولة
1. جذب الاستثمارات الآسيوية
الدول الآسيوية تمتلك فوائض مالية ضخمة ورغبة في توسيع نفوذها الاقتصادي ، يسعى الأردن إلى استقطاب جزء من هذه الاستثمارات نحو قطاعات مثل التكنولوجيا ، الطاقة المتجددة ، البنية التحتية ، والصناعة.
2. فتح أسواق جديدة للصادرات الأردنية
عبر الاتفاقيات التجارية والشراكات الاقتصادية ، تتيح الجولة فرصًا أمام المنتجات الأردنية لدخول أسواق ضخمة ذات كثافة سكانية عالية.
3. نقل التكنولوجيا والمعرفة
التعاون مع دول مثل كوريا الجنوبية واليابان يعزز من فرص نقل المعرفة ، وبناء شراكات في قطاعات الذكاء الاصطناعي ، التعليم ، والرعاية الصحية.
ثالثًا: العلاقات الدبلوماسية وبُعدها الاستراتيجي
1. توسيع دائرة الحلفاء الدوليين
الدبلوماسية الأردنية تسعى لتوسيع قاعدة الأصدقاء ، ما يتيح هامشًا أكبر في المفاوضات ، ويعزز من قدرة الأردن على لعب أدوار إقليمية أكبر.
2. دور الوسيط النزيه
لطالما لعب الأردن دور الوسيط بين أطراف النزاعات ، والجولة تعزز هذا الدور عبر بناء جسور الثقة مع الأطراف المؤثرة دوليًا.
3. التمهيد لمؤتمرات دولية قادمة
بعض اللقاءات قد تكون تمهيدًا لدعم مواقف الأردن في المحافل الدولية ، سواء بشأن القضية الفلسطينية أو ملفات اللاجئين أو دعم مشاريع إقليمية مثل مشروع "الشام الجديد".
رابعًا: الفلسفة الأردنية في إدارة العلاقات الدولية
1. الواقعية السياسية المبنية على الاستقرار
تنطلق السياسة الأردنية من فهم عميق للتوازنات ، وتضع أمن المملكة واستقرارها فوق كل اعتبار، وهو ما يفسر التوجه نحو بناء شراكات غير صدامية.
2. دبلوماسية المبادرة لا الانتظار
الجولة تعكس سياسة أردنية قائمة على أخذ زمام المبادرة وعدم انتظار التغيرات الإقليمية أو الدولية بل التأثير فيها.
3. استثمار في "الاحترام الدولي"
الأردن يتمتع بصورة إيجابية دوليًا ، ويُنظر إليه كدولة مستقرة وعاقلة في منطقة مضطربة ، والجولة تستثمر في هذا الرصيد السياسي.
خامسًا: الدلالات المرحلية والتحولات المتوقعة
• استشراف مرحلة ما بعد الصراعات في المنطقة
الجولة قد تُقرأ كجزء من استعداد أردني لإعادة الترتيب الإقليمي القادم ، خاصة في ظل مؤشرات لانفراج جزئي في بعض الملفات الإقليمية.
• التحوط من التحولات الإقليمية
مع تغير خارطة التحالفات في المنطقة (التقارب الخليجي الإيراني ، التوترات في فلسطين ، مواقف تركيا) ، يسعى الأردن لبناء عمق استراتيجي مع قوى آسيوية مستقرة.
• تعزيز الاستقلال الاقتصادي
تنويع الشراكات يساعد الأردن على تقليل اعتماده على المساعدات التقليدية ، وبناء اقتصاد إنتاجي وشبكة علاقات مستدامة.
وفي الخاتم إن جولة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى الدول الآسيوية ليست زيارة بروتوكو لية، بل هي خطوة استراتيجية تنبع من رؤية متكاملة للدولة الأردنية ، في إطار سعيها لتحقيق التوازن ، والتنمية ، وتعزيز مكانتها الدولية. وهي تعكس الفلسفة الأردنية الحكيمة في التعامل مع عالم مضطرب، برؤية ثابتة ومرنة في آنٍ معًا ، وعليه هذه سمة الهاشميين في ادارة ملفات الدوله الاردنيه يأخذون زمام المبادره بعقلانية للنهوض بالمملكة الى مصاف مغاييرة لما نحن علية ، فاننا نسجل الشكر لجلالة الملك ونشد على اياديه الطاهرة ، دمت مولا ذخرا .
حمى الله الاردن من كل كريهة وسدد على طريق الحق خطاه .
* حزب المحافظين الأردني