عمون - في مشهد يعكس تطورًا لافتًا في طبيعة العلاقة بين الخبرات الوطنية والمؤسسات الرسمية، استقبل وزير البيئة الدكتور ايمن سليمان السفير الدكتور موفق العجلوني المدير العام لمركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية في لقاء حمل في طياته الكثير من الدلالات الإيجابية، سواء من ناحية اللغة الدبلوماسية التي اتسم بها الحوار، أو من حيث طبيعة الموضوعات البيئية والتنموية التي جرى تناولها خلال اللقاء. وقد استقبل الوزير ضيفه بحفاوة واهتمام، في إطار يؤكد نهج الوزارة الجديد القائم على الانفتاح على آراء النخب والخبرات الأردنية، والاستفادة من كل جهد يصب في حماية البيئة الوطنية.

وخلال االلقاء، قدم الوزير عرضًا تفصيليًا لخطط الوزارة ومبادراتها الهادفة إلى الارتقاء بأداء القطاع البيئي، وفي مقدمتها الحملة الإعلامية الوطنية الشاملة التي ستطلقها الوزارة على مستوى المملكة، والتي تستهدف المدارس والجامعات والمعاهد ومؤسسات المجتمع المدني، بهدف نشر الوعي البيئي وترسيخ ثقافة الاستدامة وحماية الطبيعة. وقد أشار الوزير إلى أن هذه الحملة ستعتمد على خطاب تواصلي حديث يراعي الفئات العمرية المختلفة، ويهدف إلى تحويل الوعي البيئي إلى ممارسة يومية تتجذر في المجتمع، بما يعزز قدرة الدولة على مواجهة التحديات البيئية المتزايدة، من تلوث الهواء والمياه، إلى فقدان التنوع الحيوي، وصولًا إلى آثار التغير المناخي وارتداداته على الأردن.
وأعاد هذا اللقاء إلى الأذهان المرحلة السابقة التي شهدت نقاشات علنية بين السفير العجلوني والوزارة في عهد الوزير الأسبق السفير نبيل مصاروة، حين تناول العجلوني جملة من القضايا البيئية في مقالاته، وما تبعه من ردود رسمية آنذاك. تلك المرحلة، التي على الرغم من حدة بعض المواقف فيها، كانت تجسد حالة صحية من النقد البناء، وهي اليوم تمهد لمرحلة جديدة يمكن وصفها بمرحلة “التكامل بعد الاختلاف”، حيث يجري تحويل النقد الذي قُدّم في الفترة الماضية إلى فرصة للحوار والتعاون وتبادل الخبرات. وقد أكد الوزير الدكتور أيمن سليمان خلال لقائه بالسفير أن الوزارة ترحب بجميع الآراء الهادفة، وأن أبوابها مفتوحة لكل من يسعى لدعم جهودها، خصوصًا في ظل التحولات البيئية العالمية وضرورة مواكبتها باستراتيجيات وطنية قوية.

وفي سياق متصل، جاءت زيارة السفير العجلوني إلى الجمعية الملكية لحماية الطبيعة لتؤكد اتساع دائرة اهتمامه بالمؤسسات المعنية بالشأن البيئي، حيث أشاد بالدور الذي تقوم به الجمعية في إدارة المحميات الطبيعية والحفاظ على التنوع الحيوي، وما تمثله من نموذج متقدم في العمل البيئي المؤسسي. وقد جرى خلال اللقاء التأكيد على أهمية التكامل بين وزارة البيئة ومؤسسات المجتمع المدني والخبرات الوطنية، بما يسهم في تطوير منظومة حماية الطبيعة وتعزيز حضور الأردن إقليميًا في الملفات البيئية.
وقد عبّر السفير العجلوني في ختام زيارته لوزارة البيئة عن شكره العميق للوزير على حسن الاستقبال وكرم الضيافة، مؤكدًا استعداده الكامل لتقديم ما يستطيع من دعم وخبرة لخدمة الوزارة وقضايا البيئة في الأردن، “ضمن إمكاناته المتواضعة”، كما قال، انطلاقًا من إيمانه بأن حماية البيئة ليست مسؤولية حكومية فحسب، بل واجب وطني مشترك يتطلب مشاركة الجميع، أفرادًا ومؤسسات.

إن هذا الانفتاح المتبادل بين وزارة البيئة والخبرات الوطنية يعكس مرحلة متقدمة من العمل البيئي والدبلوماسي في الأردن. فالمشهد اليوم لا يقوم على حدود رسمية جامدة، بل على رؤية مشتركة تستند إلى الحوار، والتواصل، وتقدير المعرفة، وتوظيف الإمكانات الوطنية في خدمة المصلحة العامة. ويبدو واضحًا أن هذه الروح التشاركية ستفتح المجال أمام تعاون أعمق في الملفات الاستراتيجية المتعلقة بالتغير المناخي، والطاقة النظيفة، والاقتصاد الأخضر، وحماية المحميات، وإدارة الموارد الطبيعية، وهي قضايا ستكون لها انعكاسات مستقبلية على التنمية الوطنية بأسرها.

وبذلك، تتشكل معالم دبلوماسية بيئية أردنية جديدة، تقوم على بناء الجسور بين الخبرة والدولة، بين المبادرة الفردية والرؤية المؤسسية، وبين النقد البنّاء والتعاون المثمر، في نموذج يثبت أن الأردن قادر على تحويل الحوار—حتى عندما يأتي بصيغة نقد بناء —إلى قوة إيجابية تعزز مناعة الدولة وتدعم مسيرتها نحو بيئة أكثر نقاءً واستدامة، وواقع أكثر سلامة للأجيال المقبلة.