facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العشق الإلهي عند بشر الحافي ورابعة العدوية


د. بركات النمر العبادي
20-11-2025 02:36 PM

* واثره في الأدب العربي ومدارس التصوف اللاحقة.. تأملات في فلسفة التصوف

الفلسفة الصوفية التي تنبثق من تجربة هذين العاشقين تكشف عن حقيقة وجودية:
"الإنسان لا يكون كاملًا إلا إذا تحرر من أوهام الذات والماديات، وذاق حضور الله في كل لحظة من وجود":

• فالعشق عند بشر الحافي، إقرار بالخضوع، وقبول بحالة الفقر الروحي حتى يُستغنى بقوة الوجود الإلهي. هو "التخلص من الأنا ليستقر القلب في حضرة المحبوب".

• اماعند رابعة العدوية، العشق هو النار التي تحرق كل ما سوى الله، حتى تبقى الروح معلقةً به وحده، لا تريد سوى أن تكون نابعة من ذاته ، منعكسةً لجماله .ففي فضاء التصوف، حيث يلتقي الفكر بالحالة الروحية ، يظهر لنا نموذجان خالدان لعشاق الله ، هما بشر الحافي ورابعة العدوية ، كلاهما لم يعبدا الله كواجب ديني فحسب ، بل عشقاه عشقًا يمزق حجب الوجود ، ويرسم معالم رحلة العودة إلى الذات الحقة.

بشر الحافي، الذي خلع نعليه في بداية توبته ، لم يخلع فقط زينة الدنيا عن قدميه ، بل نزَعَ عن قلبه كل تعلق زائل ، لقد كان حافيًا لا بالبدن فقط ، بل بحالة الوجود والذات ، الزهد لديه ليس تقشفًا ماديًا بقدر ما هو " تجريد للنفس من أوهام الكثرة "، فتتجه الرؤية نحو "الواحد الأحد" في جوهره ، فينبع فكره من الإحساس العميق بأن كل شيء سوى الله هو مجرد ظل وزيف، وهو ما عبّر عنه بقوله :
"الزهد أن لا يفرح الإنسان إذا وجد، ولا يحزن إذا فقد ."فالزهد هو توازن روحي ، حالة "سكون في بحر العشق الإلهي "حيث لا تموجات ولا اضطرابات سوى صمت القلب الذي يرقب الله.

وفي نفس السياق ، قامت رابعة العدوية ، ووضعت على المحبة تاجًا خالدًا ، فلم تكن تخشى النار ولا الجحيم ، لأن حبها لله كان كافياً لأن يجعلها تسكن السماء وهي على الأرض " فعشقها كان نارًا تذوب فيها كل التعلقات " ، ونسكًا يتخطى الحروف ليصبح حضورًا روحيًا نابضًا.

قالت:
"يا رب، لو كنتُ أعبدك خوفًا من النار، فأحرمني النار، ولو كنتُ أعبدك رجاءً للجنّة ، فأحرمني الجنّة ، ولكن أعبدك حبًا، فلا تحرمني من حبك."في هذا العشق، لا مكان للخوف أو الطمع، بل هو انصهار كامل في حب الله ، إذ تعانق الروح ذاتها الأزلية وتذوب في كماله.

المحب الحقيقي هو من لا يريد من الله شيئًا إلا ذاته، هو من يشتاق إلى الله بما هو، لا بما يعطي." وفي النهاية ، بشر الحافي ورابعة العدوية ليسا مجرد أسماء في التاريخ ، بل هما مدرستان في الفناء والبقاء، يعلماننا كيف نحب بلا شروط ، وكيف نكون بلا تقلبات ، وكيف نرتقي من ظلمات النفس إلى نور الوجود الأزلي ، رحلة العشق الإلهي رحلة تحرير أعمق من كل ما يراه الإنسان ، رحلة تجعل من القلب موطناً للحق، ومن الروح فناً في حضرة المحبوب.

لقد تركت تجربة بشر الحافي ورابعة العدوية بصمة عميقة في الأدب العربي ومدارس التصوف اللاحقة ، حيث صار العشق الإلهي موضوعًا مركزيًا في الشعر والنثر، وعبّر عنه الأدباء والمتصوفة بأسمى الصور التعبيرية ، فقد تجلّت هذه الفلسفة في أدب الحلاج ، وابن الفارض، وجلال الدين الرومي ، الذين استلهموا من عاشقي الله الأوائل روحًا تحرّر الإنسان من أسر الذات إلى أفق الوجود المطلق.

في الشعر العربي الصوفي، استُخدمت لغة الحب الأرضي كرمزٍ للحب الإلهي، مما أعطى الكلمات أبعادًا روحية وفلسفية عميقة ، وبفضل مواقف وتجارب بشر الحافي ورابعة العدوية ، ترسّخت مفاهيم الفناء في المحبوب (الفناء) والبقاء بالله (البقاء) ، وأصبح العاشق هو الذي يمحو ذاته ليعيش وجوده الحقيقي ويذوب في المحبوب.

أما مدارس التصوف اللاحقة ، فقد استفادت من مدرسة بشر ورابعة في بناء منظومات روحية متكاملة ، مثل الطريقة القادرية والنقشبندية التي تمجد الزهد ، والتصوف الموحّد الذي يركز على وحدة الوجود ، كما أن قصص وأقوال هؤلاء العاشقين صار لها دور تربوي وتعليمي في تربية المريدين على خلع الأنا ، وطلب الحق بلا شروط.

هذا التراث الصوفي شكّل ثقافة روحية واسعة الأثر، تجاوزت حدود الطقوس والعبادات لتصبح فلسفة حياة ، توجّه الإنسان نحو تجربة الوجود بصدق وحضور، وتجعل من العشق الإلهي محورًا للحرية الروحية والتجلي الذاتي.

حمى اللة الاردن و سدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :