facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأصولية العلمانية


د. ماجد الصمادي
21-11-2025 09:35 AM

في الأسبوعين الماضيين وصلتني عدة طلبات صداقة من أشخاص أقدّرهم، وذلك بعد نشري مقالة بعنوان ( الهندسة الثقافية) التي تناولت فيها أشكال الهيمنة التي تعرض لها الفكر العربي خلال العقود الخمسة الماضية، في ظل تحالف السلطة مع التيارات الدينية، وتراجع المدّ القومي وهزيمته، وانكفاء التجارب اليسارية والشيوعية.

لكن ما لفت نظري ومن خلال اطلاعي على مشاركات بعض الأصدقاء الجدد على صفحاتهم على "فيسبوك" انهم ينتمون إلى التيار العلماني، سواء بوصفه أيديولوجيا أو إطارًا فكريًا.

وقد استوقفني ، لدى بعضهم، نزعة أصولية حادة في مواقفهم تجاه معتقدات الناس ودياناتهم، سواء الإسلامية اوالمسيحية، إلى حد السخرية منها وتسفيهها. وهذا ما دفعني للتساؤل وسط تصاعد خطاب التطرف من أطراف مختلفة: كيف يمكننا أن نبني دولة حديثة تتسع للجميع في ظل هذا المناخ.

فالخطاب الذي ينتقد الأصولية الدينية بوصفها موقفًا جامدًا يرفض التعددية، في الوقت ذاته يتحول الى اصولية علمانية مقابلة تتخذ شكل مشروعٍ لفرض رؤية أحادية على مجتمع له جذوره العميقة في هويته الحضارية والدينية. فالعلمانية في أصلها إطار تنظيمي لإدارة الدولة الحديثة، لكنها تصبح أيديولوجيا مغلقة عندما تسعى لإقصاء الدين من المجال العام أو تختزل التراث الثقافي في صورة عائقٍ يجب تجاوزه بدل أن يكون رصيدًا معرفيًا ينبغي فهمه واستثماره.

وحين تتخذ العلمانية شكل نظرة استعلائية تسعى إلى نزع الإنسان العربي من سياقه التاريخي والروحي، فإنها لا تختلف عندئذ عن أي أيديولوجيا أخرى تدّعي امتلاك الحقيقة وتتعامل مع المجتمع بوصفه مادةً يجب إعادة تشكيلها.

إن عالمنا العربي اليوم أحوج ما يكون إلى تحالفٍ واسع بين مختلف مكوناته لإعادة بناء مشروع حضاري جديد يقوم على دولة المواطنة لا على الهوية الأحادية، وعلى الحرية المسؤولة لا على الإقصاء المتبادل، وعلى نهضة مشتركة لا على احتكار السلطة. فلا التيار الديني قادر على بناء وطن وحده، ولا التيار العلماني يستطيع صياغة مشروع حضاري من خارج التاريخ والوجدان الجمعي. فالحضارة مشروع مجتمع كامل، لا مشروع تيار واحد.

وكما أن التيارات الدينية التي حظيت خلال العقود الأربعة الماضية بحضورٍ واسع ونفوذٍ عميق في المجتمع لا تستطيع بناء وطن بمعزل عن بقية المكونات، فإن التيار العلماني أيضًا، مهما بلغ دوره في مراكز القرار أو في الحيز الثقافي، عليه أن يدرك أن الإنسان العربي لا يمكن أن يُنتزع من هويته الدينية؛ فهي ليست مجرد عقيدة فردية، بل نسيج حضاري يتغلغل في اللغة والقيم والخيال الثقافي، ولا يمكن تجاهله أو القفز عليه دون خلق قطيعة واغتراب.

إن اللحظة الراهنة تفرض علينا أن نغادر مربعات الصراع الإقصائي، وأن نتجه إلى بناء عقد اجتماعي عربي جديد يقوم على الاعتراف المتبادل، واحترام الاختلاف، وتقاسم المسؤولية، وتحويل التعددية إلى مصدر قوة لا إلى بؤرة صراع. فالمعركة ليست بين علماني وديني، بل بين وعي حضاري جديد وبين أزماتٍ قديمة تستنزف الجميع.

فوطنٌ لا يسع الجميع هو وطنٌ لا يسع أحدًا، وحضارة لا تُبنى بالشراكة لن تعيش مهما بدت شعاراتها براقة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :