سلطنة عُمان .. حين تُنشد الأوطان سيرة الحكمة ويكتمل معنى الأخوّة
أ.د. أحمد منصور الخصاونة
21-11-2025 01:40 PM
في المحطات الوطنية الكبرى، تتجلى ذاكرة الشعوب وتنهض روحها في أبهى صورها، ويعود الوطن ليقف على منصة الضوء محتفيًا بتاريخه، ومجدّدًا عهده لأبنائه، وآخذًا بيد المستقبل بثباتٍ ووعي. وهكذا هو اليوم الوطني لسلطنة عُمان، مناسبةٌ ليست كغيرها، لأنها تحمل معها حكاية وطنٍ نسج نهضته بخيوط الحكمة، وبنى تجربته على مزيج فريد من الأصالة والمعاصرة، حتى غدت عُمان عنوانًا عربيًا مضيئًا، ودولةً شكلت حضورًا مهيبًا في محيطها وإقليمها والعالم.
وفي هذا اليوم العزيز، تتجه مشاعرنا إلى السلطنة الحبيبة، قيادةً وحكومةً وشعبًا، مهنئين بهذه الذكرى التي تختصر تاريخًا طويلًا من الاستقرار والازدهار، وتؤكد نجاح نموذجٍ استثنائي في الحكم الرشيد والتنمية المتوازنة. وهذه الفرحة الوطنية إنما تعبير صادق عن عمق العلاقات التي تربط الأردن بعُمان، وتؤكد ما يجمع البلدين من وشائج الأخوة والمحبة المتجذرة في الوجدان قبل السياسات.
وإن الطلبة العُمانيين الدارسين في الأردن يشكلون اليوم جسرًا حقيقيًا لهذه العلاقة؛ فهم ليسوا مجرد طلبة وافدين، بل أبناءُ بلدٍ شقيقٍ تجمعنا به روح واحدة وتاريخ واحد ومصير واحد. يحملون معهم قيم عُمان الرفيعة، وأخلاق مجتمعها الأصيل، وروح الجدية والانضباط التي عُرف بها شبابها. وقد شرفتُ خلال سنوات عملي الأكاديمي في أستراليا بتدريس مجموعة من الطلبة العُمانيين هناك، فكانوا من خيرة الخيرة، مثالًا في الأدب والاجتهاد، ونموذجًا في التعلم المسؤول والانتماء لوطنهم، حتى تركوا في نفسي أثرًا لا يُنسى، يؤكد ما عهدناه عن الإنسان العُماني من سموّ الخلق ونقاء الروح.
إن الاحتفاء باليوم الوطني العُماني ليس مناسبة بروتوكولية فحسب، بل هو فرصة للتأمل في تجربة دولة استطاعت، رغم تحديات الزمن وتقلباته، أن تمضي بثبات نحو المستقبل، وأن تحافظ في الوقت ذاته على هويتها وروحها العربية الأصيلة. فمنذ النهضة المباركة التي أطلقها السلطان الراحل قابوس بن سعيد—رحمه الله—وصولًا إلى عهد التجديد بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق—حفظه الله—تواصل عُمان بناء مشروعها الوطني بثقة، متسلحةً برؤية اقتصادية طموحة، ووعي سياسي يوازن بين الانفتاح والحكمة، واعتدال جعلها ركيزة للأمن والاستقرار في المنطقة.
وهنا، تتقاطع التجربتان الأردنية والعُمانية في كثير من المعاني والقيم؛ فكلا البلدين اختارا طريق الحكمة، ورفضا منطق المغامرة، وتمسكا بالمبادئ العربية الأصيلة، وأثبتا للعالم أن الاستقرار ليس صدفة، بل ثمرة سياسات واعية، وقيادات حكيمة، وشعوب تعرف واجبها ومسؤولياتها. وفي ظل قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وأخيه جلالة السلطان هيثم بن طارق—حفظهما الله—تعمقت العلاقات بين البلدين أكثر فأكثر، وترسخت في إطار من الاحترام والتعاون والتكامل، لتقدم للعالم نموذجًا عربيًا لما يجب أن تكون عليه العلاقات الأخوية بين الدول.
ولعل ما يميز العلاقة الأردنية-العُمانية أنها لم تبنَ على لحظة طارئة أو ظرف سياسي عابر، بل قامت على إرث طويل من الثقة والود المتبادل. فالأردني يجد في عُمان وطنًا ثانيًا، كما يجد العُماني في الأردن بيتًا وأهلًا؛ وهذه الروح العميقة تظهر في كل لقاء، وفي كل مناسبة، وفي كل حكاية يرويها الطلبة الذين جمعهم العلم والاحترام المتبادل.
وفي هذه المناسبة العزيزة، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك إلى الشعب العُماني الكريم، وإلى القيادة الحكيمة في السلطنة، مبتهلين إلى المولى عز وجل أن يحفظ عُمان وأهلها، وأن يديم عليها الأمن الذي استحقت أن تكون رمزًا له، والازدهار الذي صار جزءًا من هويتها الحديثة، وأن يعيد هذه المناسبة المباركة أعوامًا طويلة وهي تزداد رفعةً وبهاءً ونماءً.
إن اليوم الوطني العُماني يُذكّرنا بأن الأوطان لا تُبنى بالشعارات، بل تُشيَّد بالعمل، وتزدهر بالأخلاق، وتعلو بالعلم والمعرفة. وهنا تتجلى قيمة الطالب العُماني الذي ينهل العلم بروح المسؤولية، مستعدًا ليكون جزءًا من مسيرة التنمية المتجددة في بلده، وليرد الجميل لوطنه بالعلم والإبداع والإنجاز.
وختامًا، تبقى عُمان في وجدان الأردنيين وطنًا شقيقًا له مكانته الخاصة، وتبقى العلاقات الأردنية-العُمانية مثالًا حيًا لما يمكن أن تصنعه الأخوة الصادقة حين تقترن بالاحترام والعمل المشترك. وكل عام وسلطنة عُمان بألف خير؛ وطنًا يزداد مجدًا، وشعبًا يزداد رفعة، ونهضة تتسع آفاقها عامًا بعد عام.